ليأت ملكوتك
الملك الحقيقي، والمالك الحقيقي، هو الله وحده.
إنه يملك علي كل شيء، لأنه خالق كل شيء، وموجود كل شيء.. يملك الكون كله، بكل ما فيه من مخلوقات. وهكذا قال المرتل في المزمور “للرب الأرض وملؤها، المسكونة وجميع الساكنين فيها” (مز 22: 1). ثم دخلت الخطية إلي العالم (رو 5: 12)، وملكت علي قلوب الناس وعلي إرادتهم. وبالخطية دخل الموت، وإجتاز إلي جميع الناس (رو 5: 12) وملك الموت (رو 5: 14، 17)، وأصبح الجميع تحت سلطانه!
ملكت الخطية دون إذن (رو 5: 21) وملك معها الموت.
وإذ ملكت الخطية، ملك الشيطان، وأصبح يلقب برئيس هذا العالم! (يو 14: 30) أي رئيس هذا العالم الخاطئ.. واستمر الشيطان يسيطر علي الكل.. اختفي النور، وملكت الظلمة، لأن الناس أحبوا الظلمة أكثر من النور (يو 3: 19). لذلك قال لهم السيد في مناسبة القبض عليه “هذه ساعتكم وسلطان الظلام” (لو 22: 53). لقد ملكت الظلمة علي أفكار الناس ورغباتهم..
وكان لابد أن يستعيد الله ملكه.
كان لابد أن تنتهي دولة الشيطان، ويطرح خارجًا (يو 12: 31). ويسقط رئيس هذا العالم مثل البرق من السماء (لو 10: 18). كان النور الحقيقي اَتيًا إلي العالم (يو 1: 9) فيملك علي العالم وينقشع الظلام..
ولكن متي ملك الرب؟ وكيف؟
” الرب ملك علي خشبة ” كما قال المزمور (مز 95).
أي أنه ملك علي الصليب، واشترانا بدمه (رؤ 5: 9)، فصرنا ملكه. وعلي الصليب غَنَّت الملائكة بقول المزمور “الرب قد ملك، فلتتهلل الأرض. لتفرح الجزائر الكثيرة” (مز 96) “الرب قد ملك فلترتعد الشعوب” (مز 96).
ملكوت الرب إذن مرتبط بالصليب والفداء. ومن هنا كان أبناء الملكوت هم كل المفديين.
وقد تم الفداء، بموت المسيح علي الصليب، وقت الساعة التاسعة. لذلك فإن مزامير الساعة التاسعة تكثر فيها عبارة “الرب قد ملك”. ولما كان الصلب هو مقدمة الموت، فإن آخر مزمور في صلاة الساعة السادسة – ساعة الصلب- هو مزمور “الرب قد ملك ولبس الجلال” (مز 92: 1). إذن في قولنا ليأت ملكوتك، نذكر الفداء العظيم، فبدون الفداء ما كان ملكوت.
ونحن بعبارة “ليأت ملكوت” نطلب أن يشمل الفداء كل أحد، يؤمن به الكل، ويتمتع به الكل.
وذلك لأن الرب لم يقدم الخلاص لفرد، وإنما حمل خطايا العالم كله (يو 1: 29) لخلص الكل بالفداء..
بدأت تباشير الملكوتبميلاد المسيح. واقترب الملكوت بكرازته. وتم الملكوت علي الصليب.
ولذلك نجد أن يوحنا المعمدان كان يكرز قائلًا “توبوا فقد اقترب ملكوت السموات” (مت 3: 2).وكانت هذه هي أيضًا كرازة السيد المسيح. كان “يكرز ببشارة ملكوت الله. ويقول: قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله. فتوبوا واَمنوا بالإنجيل” (مز 1: 14، 15). ولما أرسل تلاميذه في أول مرة، أمرهم قائلًا “و فيما أنتم ذاهبون، اكرزوا قائلين إنه قد إقترب ملكوت السموات” (مت 10: 7). وهكذا كانت الكرازة والبشارة بالملكوت، هي عمل السيد المسيح، وعمل المعمدان الذي سبقه، وعمل الرسل من بعده. بل كان الملكوت أيضًا طلبة اللص اليمين علي الصليب (لو 23: 43).
وطلب هذا الملكوت هو صلاة يومية لجميعنا.
فهكذا علمنا الرب – متي صلينا – أن نقول لأبينا السماوي ” ليأت ملكوتك” (لو 11: 2).. لكي تصبح هذه الطلبة – من عمق أهميتها – لاصقة بقلوب الكل، يذكرونها كل يوم وكل ساعة، وفي كل صلاة..