اشتركت السماء والأرض في الاحتفال البهيج الذي عمّ الكون لأن حدثاً يفوق كل إدراك أزال الحجب التي كانت بين عالم الألوهية والعالم الإنساني. لقد تجسّدت كلمة الله، الرب يسوع المسيح، في جسد بشري لتحقيق الوعد الإلهي الذي وعد به الله آدم، لكي يستردّ الإنسان شركته التي فقدها عندما عصا ربه وضلّ، منساقاً وراء رغبة داخلية بدت له في أول الأمر تتفتّح عن آمال كبار تجعل منه عالِماً بكل قوى الحياة المتصارعة من خير وشر.
وراح يتساءل:
ما الذي يحدث لي لو تناولت ثمرة من ثمار هذه
الشجرة المحرّمة وأكلت منها؟
هل موتاً أموت كما قال لي الله لو أقدمت على
هذه الخطوة الجريئة؟
عصيان آدم
كان عصيان آدم بداية عملية الانفصال بين الله والناس. فالكتاب المقدس ينبر على أن خطايا الإنسان قد أصبحت فاصلة بين الله وبين مخلوقاته البشرية، وبالتالي، فإننا قد وجدنا أنفسنا في وضع روحي مزرٍ وفي عالم استشرى فيه الشر، والمادية، والطمع، والقتل، والزنى، وكل ما يمكن أن يخطر على البال من إثم. أصبح عالمنا مناقضاً كلياً لذلك الفردوس البديع الذي خلقه الله لكي يتمتع فيه بعلاقة رائعة طاهرة مع مخلوقه الإنسان. طبعاً لم يخلق الله الإنسان ليرتكب الشر في عينيه، بل خلقه لكي يعبده ويمجده. ولكن الله خلق في الإنسان الإرادة التي تفرّقه عن الحيوان وحتى، بوجه من الوجوه عن الملائكة. كان غرض الله من هذه الإرادة التأكيد على الحرية وليس على العبودية. فعلاقة الله بالإنسان هي علاقة حرية وليست علاقة عبودية. من هنا كانت شركة الله مع الإنسان تتميّز بهذه الحرية المتفردة. لم يخلق الله الإنسان ”ميكانيكياً“ ولكن أعطاه الحرية ليكون مسؤولاً عن مواقفه وتصرفاته. كان في وسع آدم أن يتحدّى إغراء الشيطان، ولكنه سقط في غبائه في حبائل إبليس وتحدّى الله.
موقف آدم
كان موقف آدم سبباً في وقوع الدينونة على الإنسان. فالحرية والاختيار يقتضيان مسؤولية وما يترتب عنها من نتائج. فدينونة الله لم تكن اعتباطية بل كانت مرتبطة باختيارات الإنسان لأن عدالة الله مرتهنة بالموضوعية وغير قابلة للتحيّز. من هنا، حسب وعده لآدم دخل الموت إلى حيّز الوجود. ولست أقصد هنا بالموت الجسدي فقط، بل أشير إلى الموت الروحي، أي العذاب الأبدي جزاء للخطية والعصيان.
من هنا كان ميلاد المسيح بداية الصورة الكاملة لتنفيذ خطة الله. هذا الميلاد الذي بدا متواضعاً في مدينة صغيرة في مذود بقر هو الذي غيّر التاريخ الإنساني من حيث علاقة الله بالإنسان، فالميلاد:
أظهر محبة الله للإنسان
لقد كلفت هذه المحبة موت ابن الله الحبيب على الصليب.
ولولا الميلاد، بل التجسد، لما كان الصلب ولما كان الفداء. إن عملية الصليب الفدائي هذا من مضاعفات الخطيئة والعصيان، ولكن الله تجلى بمحبته لكي يتمم مطالب العدالة الإلهية، ولكي يظهر مدى اهتمامه بالإنسان.
رفع الدينونة عن الإنسان
ثانياً، لولا الميلاد لما ارتفعت الدينونة عن الجنس البشري. ففي مولد المسيح، ثم صلبه، قبل الآب الذبيحة الأبدية كفارة عن خطايانا، وصارت لنا حياة خالدة حسب برّ المسيح. لقد تحمّل المسيح آلام العقاب وهو البريء؛ ليشرّع أمامنا أبواب الحياة ويعيد إلينا الفردوس المفقود، لا لجدارة فينا ولكن بفضل بذله لحياته من أجلنا. يقول الكتاب أنه ”لا دينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع“، بمعنى آخر، إن ميلاد المسيح كان الخطوة الأولى في طريق الجلجثة التي تمّ فيها انتصار المسيح على الموت الروحي؛ فاستعدنا بفضله الحياة التي لا تعرف الموت.
صالح الإنسان مع الله
كان الميلاد سبباً في مصالحتنا مع الآب السماوي، ففي المولد المقدس ابتدأ بناء الجسر الروحي فوق الهوة التي فصلتنا عن الله. إنه عودة إلى العلاقة التي كانت بين آدم والله قبل السقوط، فأصبحنا بالإيمان بهذا المولود، وقبول صلبه والاغتسال بدمه الزكي، ورثة للملكوت لأن كل الذين قبلوه [أي المسيح] فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أبناء الله. إنها بنوّة روحية تعجز الخطيئة الآن عن القضاء عليها كما فعلت في زمن آدم. لقد تمت المصالحة، وأكمل بناء الجسر الخلاصي، وتمّ تحقيق عملية الفداء.
أشكرك أحبك كثيراً
الرب يسوع المسيح يحبكم
جميعاً فتعال…هو ينتظرك