نحن نحبُ لأنه أحبنا أولا
نحن نحبه لأنه أحبنا أولا
محبة الله “
يقال أن أحد القديسين ألقي في السجن وحكم عليه بالإعدام، وقبل أن يقاد إلى الموت بلحظات قليلة رأى نافذة في زنزانته على شكل صليب، فكتب في أعلاه {علو} وفي أسفله {عمق} وفي كلا طرفيه {طول} وبذلك عبَّر في ساعة موته تعبيراً عملياً قوياً عن مدى إدراكه لمحبة الله.
وفي رسالة الرسول بولس الى اهل أفسس (١٨:٣) يخبرنا الرسول عن عرض وطول وعمق وعلو محبة الله، لكننا لأجيال كثيرة سنظل لا نعرفها المعرفة الكاملة. اكتشف كولمبوس أمريكا، لكنه لم يعرف شيئاً عن وديانها وبحيراتها وأنهارها وغاباتها، لقد مات دون أن يعرف الكثير عن الأرض التي اكتشفها. هكذا الكثيرون منا، اكتشفوا شيئاً عن محبة الله، لكن هناك علواً وعمقاً وعرضاً وطولاً لا ندركه. تلك المحبة إن هي إلا محيط عظيم، ونحن نحتاج أن ندخل إلى أعماقه لنعرفه على حقيقته.
إن أردنا أن نعرف محبة الله علينا أن نذهب إلى الجلجثة. ترى هل نستطيع أن نتطلع إلى منظر الصليب ونقول إن الله لا يحبنا؟ إن محبة الخالق لم تعلن بوضوح أكثر من ذلك الإعلان الذي تم على الصليب.
ما الذي دفع الآب أن يضحي بالابن؟
ما الذي دفع المسيح أن يموت، ما لم تكن المحبة؟
. يقول الكتاب المقدس {ليس لأحد حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه}، لكن المسيح ضحى بحياته لأجل أعدائه، لقد بذل نفسه فداءً عن قاتليه ومبغضيه، لذلك فالروح الذي يرفرف على الصليب المقام فوق رابية الجلجثة هو روح المحبة. عندما كانوا يستهزئون به ويسخرون منه ماذا قال؟
{يا أبتاه أغفر لهم}، هذه هي المحبة. إنه لم يطلب ناراً من السماء لتهلكهم، لكن لم يكن في قلبه من جهتهم سوى المحبة.
لمدة ثلاث سنوات عاش المسيح مع تلاميذه يحاول أن يعلمهم حبه، ليس فقط بالقول ولكن بالعمل أيضاً. وفي ليلة محاكمته أخذ المغسل واتزر بمنشفة، وعوضاً عن الخادم غسل أرجل التلاميذ لكي يعلمهم حبه غير المتغير في كل الظروف.
من الصعب أن تجعل الخاطئ يصدق حقيقة محبة الله غير المتغيرة، فعندما يبتعد الإنسان بعيداً عن الله يظن أن الله يبغضه، لكن ينبغي علينا أن نفرق بين الخاطئ والخطية. الله يحب الخاطئ، لكنه يبغض الخطية، لأنها لا تتفق مع صفاته القدسية. وهو أيضاً يكره الخطية لأنها أفسدت حياة الإنسان، ولذلك فبسبب حب الله للبشر الخطاة فهو يكره الخطية التي استعبدتهم.
في سفر أشعياء (١٥:٤٩ و ١٦) نقرأ هذا القول: {هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها، حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساكِ، هوذا على كفيَّ نقشتك، أسواركِ أمامي دائماً}.
إن أقوى محبة بشرية نعرفها هي محبة الأم. أمور كثيرة قد تفصل الرجل عن زوجته، الأب قد يدير ظهره لأولاده، الاخوة والأخوات قد يصبحون أعداء ألداء، الأزواج قد يهجرون زوجاتهم والزوجات أزواجهن، لكن محبة الأم تثبت على الدوام. في الصيت الحسن وفي الصيت الرديء، في مواجهة إدانة المجتمع بأسره تستمر الأم محبة لابنها راجية أنه يوماً ما سوف يرجع عن طريقه الخاطئة ويتوب. إنها تذكر ابتسامات الطفل البريء وضحكات طفولته المرحة، ولا تستطيع أن تتصور أنه لا يستحق محبتها. الموت لا يستطيع أن يلاشي محبة الأم… إنها أقوى من الموت.
هل رأيت أماً تسهر لرعاية طفلها المريض؟
إنها بكل سرور تود لو تستطيع أن تنقل المرض إلى جسدها لكي يشفى طفلها، إنها تسهر عليه أسبوعاً وأسابيع ولا تسمح لأحد أن يعتني به سواها. والأم التي لها ثمانية أو تسعة بنين، عندما يبعد أحدهم عنها يصبح هذا شغلها الشاغل ويخيل إليها أنها تحبه أكثر من كل الباقين.
فتاة تركت بيتها وتنكرت لأمها الأرملة التي لا ولد لها سواها وسارت في طريق الغواية والشر. بحثت عنها أمها في كل مكان لكن بلا جدوى، وأخيراً هداها التفكير أن تعلق صورتها على جدران إحدى الإرساليات التي تهتم برعاية الفتيات الساقطات. كثيرات ألقين نظرة غير مكترثة على تلك الصورة، لكن إحداهن أطالت النظر إليها، إنها صورة نفس الوجه العزيز الذي كان يرنو إليها في طفولتها. لقد خيَّل ليها أن شفتي الصورة تتحركان، وتهمسان في أذنيها قائلتين:
{تعالي إلى البيت… لقد سامحتك… وأنا لا زلت أحبك}. لقد غلبت تلك الابنة الضالة بنظرة صورة أمها إليها، وتبكتت بشدة على خطاياها. وبقلب ملؤه الحزن والخجل عادت إلى بيتها المهجور. وهكذا التأم شمل الأم وابنتها مرة ثانية.
لكن دعني أقل لك إن محبة أي أم لا يمكن أن تقارن بمحبة الله. ولا أم في الوجود أحبت أطفالها بنفس مقياس المحبة التي أحبنا الله بها. فكر في تلك المحبة التي دفعت الله أن يقدم ابنه ليموت عن العالم، {لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية} (يو ١٦:٣).
من منا يستطيع أن يصل إلى عمق هذه الكلمات:
{هكذا أحب الله العالم}؟
من منا يستطيع أن يقيس علو هذه المحبة أو أن يسبر أغوارها؟
. صلى بولس مرة طالباً أن يعرف علو وعمق وطول وعرض محبة الله، لكنها كانت أعظم مما يتصور، إنها محبة {فائقة المعرفة}.
تعال معي إلى الجلجثة وانظر ابن الله معلقاً هناك. هل تستطيع أن تسمع كلماته الأخيرة: {يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون}، ومع ذلك تقول إنه لا يحبك؟!
{ ليس لأحد حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه} (يو ١٢:٥)، لكن الرب يسوع وضع نفسه لأجل أعدائه.
لو سألتني عن سبب محبة الله لنا، فلن أستطيع أن أجيبك. ربما لأنه أب حقيقي من طبيعته الحب. فكما أن طبيعة الشمس أن تشرق كل صباح، هكذا طبيعة الله أن يحب البشر. إنه يريدك أن تأخذ نصيبك في حبه. لا تدع عدم الإيمان يبعدك عنه. لا تظن أن الله لا يحبك لأنك خاطئ، إنه يحبك، وصليبه هو أكبر دليل على ذلك.
{إذ كنا بعد ضعفاء مات (المسيح) في الوقت المعين لأجل الفجار} (رو ٦:٥). أليس هذا القول كافياً لكي يقنعك بأن الله يحبك؟
وهل بعد أن عرفت كل هذه الأدلة على محبة الله لك تستطيع أن تقسي قلبك وتقاوم حبه؟
يقول البعض: {نعم، نحن نؤمن أن الله يحبنا إن كنا نحبه، نحن نؤمن أن الله يحب الأطهار القديسين}. دعوني أقول لكم يا أعزائي، إن الله لا يحب فقط الأطهار القديسين لكنه يحب الفجار أيضاً. {الله بيَّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا} (رو ٨:٥). الله أرسل ابنه ليموت عن خطايا العالم كله، فإن كنت تنتمي إلى العالم فلك نصيب في هذه المحبة التي أعلنت في صليب المسيح.
فتعال اليوم الى المسيح وخذ فيض

من هذا الحب لأنه هو أحبنا أولا في منتهى الحب
أشكرك أحبك كثيراً
يسوع المسيح يحبكم جميعاً
هو ينبوع الحياة…هو ينتظرك..دوماً
بيدو…
هل تبحث عن  تصميمات {وحشتنا ضحكتك} لقداسة البابا شنودة

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي