نُصرة وشهادة حية، فرح الشهادة وحمل الصليب وقبول الألم وغلبة الشهوات

باسم الثالوث القدوس الإله الواحد وحده الحقيقي غير المبتدئ، المطلق في كماله، العظيم في مشورته، القدير في أفعاله، الكائن الأزلي قبل كل شيء، والأبدي الذي لا يُحد، الحاضر في كل مكان، الذي يملأ الكل ويفيض بخيراته الوفيرة على الجميع دون أن تنقُص، أو تزيد لأنها أكثر من كفاية وكامله في ذاتها لأن جلاله هو مصدرها، بل هي دائماً تزداد انسكاباً لكل من يتمسك بمواعيده ويؤمن به في المحبة…

لذلك بثقة الرجاء الحي أتوسل لروح الله، روح الآب، روح الابن، الملك السماوي المُعزي، روح الحق، الحاضر في كل مكان والساكن في كل المؤمنين، كنز الصالحات ومُعطي الحياة، الناطق في الناموس والأنبياء مُعلنا مشيئة الله الآب بيسوع المسيح الذي مات لأجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا حسب مسرة مشيئة الله الآب لأجل خلاصنا، أن يمنحكم ويمنحني معكم، نعمة ورحمة ويفتح عيني قلبي دائماً وبزيادة في كل وقت وكل ساعة، ويوسع إدراكي وفهمي، ويعطيني عقلاً يقظاً، وقلباً ممتلئ فهماً لأعرف قانونه، قانون روح الحياة في المسيح يسوع الذي أعتقني من ناموس الخطية والموت، فأقرأ في ناموسه وأحفظ وصاياه بالمحبة وثقة الإيمان الرائي وجهه، فأتمم مشيئته في حياتي حسب قصد مشورته، فأُمجد اسمه العظيم المملوء مجداً إلى الأبد آمين، وذلك لكي أطلعكم يا إخوتي الأحباء على قوة شهادة القديسين حسب الخبرة ومعرفتي بهم، لكي أصير معهم تلميذاً للمسيح الرب، بحمل صليبي كل يوم تابعاً مخلصنا يسوع، لكي نخرج جميعنا خارج المحلة حاملين عاره، لنُضيع حياتنا لأجله لكي نجدها فيه مقدسه ومُخصصه لمجد الله الآب في شخصه العظيم، بروح الحياة الذي يشع فينا مجده الخاص أن توبنا وظللنا نخضع له بالطاعة …


حقاً كما قال معلمنا القديس يوحنا ذهبي الفم [ ليس شيء أعظم من المحبة أو حتى يساويه، ولا حتى الاستشهاد الذي هو رأس كُل الصالحات. فإن المحبة بدون الاستشهاد تصنع تلاميذ للمسيح، لكن الاستشهاد خلواً من المحبة ما يقوى على صُنع تلاميذ. ليس فقط ذلك، أنه خلواً من المحبة ما يُمكن أن يكون هُناك تلاميذ، بل وما ينفع الاستشهاد بدون المحبة شيئاً لمن يكابدونه ] (القديس يوحنا ذهبي الفم في مدح شهداء رومية 1: 1)

لذلك يا إخوتي دائماً نحتفل بأعياد شهادة القديسين، ولا نحتفل بأعياد ميلادهم حسب الجسد، بل بعيدهم الحقيقي وهو عيد شهادتهم أمام الطغاة والولاة الظالمين، لأنهم شهدوا شهادة تلميذ المسيح الذي اشترك في آلامه فنال قيامته ليدخل مجده بروح الغلبة الذي شهد فيه شهادة حسنة في وقتها، اي الروح القدس روح الشهادة، الرب المُحيي، لذلك فكل مؤمن حقيقي يُحيي ذكرى شهداء المسيح الرب في قلبه وفكره دائماً، وذلك لكي يرتفع إلى مستوى اقتفاء سلوكهم متمثلاً بإيمانهم الحي في المحبة، ولكي يحسب نفسه – عملياً – شريكاً معهم في ذلك النصيب والاستحقاق الذي نالوه، ولكي نناله كلنا معاً ضمناً منفعة بصلواتهم، لكي نثبت في خفة ضيقاتنا الوقتية التي نُعانيها يوماً بكل لون وشكل، لأن يومنا الدائم، هو مشهد مُثير نحن فيه مصلوبون، نُصلب كل يوم فنموت عن أنفسنا المزيفة والعالم الذي وضع في الشرير بكل آثامه وخطاياه وشهواته وغرور مجد كراسيه الزائل، ونُبعث كل يوم بقيامة يسوع، كخليقة تتجدد كل يوم لحساب مجد خالقها، فننمو إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد، لكي نُصبح على صورة يسوع المسيح، ليشع فينا مجده الخاص، ويُظهر فينا أعماله، حتى كل من يرانا يمجد أبانا الذي في السماوات…

فيا إخوتي، لكي نصل لهذه المرحلة مع القديسين والشهداء، لنكون شهود للمسيح الرب ونكمل شهادة الكنيسة كأعضاء فيها، ونصير بذارها الصالحة في كل مكان، فأننا لا نصل إليها بالأحلام ولا التمنيات ولا بمجرد القراءة، ولا قراءة هذا الموضوع نفسه، بل نصل بالغلبة الحقيقية في حياتنا بقوة النعمة التي تعمل في داخلنا، وذلك أن قبلناها فعلاً، وبدئنا حياة التوبة وانسكبت في قلوبنا نعمة الله، فطعنا الوصية بالمحبة، ونلنا سلاح الله الكامل وتدربنا عليه بصلواتنا الدائمة وإنجيلنا الحي الذي ينبض في قلوبنا بحفظة أي بالعيش به في حياتنا اليومية حسب النعمة المُعطاة لنا …

وعندما ننال قوة الله، نجد أن هُناك حروب ينبغي أن نخوضها كل يوم، وهذه الحروب هي القتال ضد الشهوات المختلفة، والصراع ضد رغبات النفس الباطلة؛ وعلى الأخص الكبرياء، والدفاع ضد الأعداء المختفون وراء الأمور المألوفة، وهم أعداء عادة يكونون أكثر شراسة وقوة من الظاهرين والمباشرين.

فأحياناً الشهوة تثور، وأحياناً أوجاع النفس الداخلية والتي كانت فينا ذات شأن قبل التوبة، تشتعل، وأحياناً الخوف يرعب ويثير القلق على الغد، وأحياناً الطموح المفسد يتحرك، وأحياناً الأرواح الشريرة تحاول أن تُخيف الإنسان وترعبه وتقلقه منها جداً (أفسس 6: 12)، وهذه القتالات جميعها، تؤذي عادة وتهز كالزلزال النفوس الغير ثابتة في الإيمان العامل بالمحبة.

ولكن الإنسان الشجاع بالروح القدس، والواثق في إلهه لأنه يعرفه ورأى مجده في داخله، يصرخ بهتاف الجندي الصالح الذي تجند بالروح القدس ليسوع المسيح ليتجه بكل قلبه نحو الله الآب، ويقول: [ الرب نوري وخلاصي ممن أخاف، الرب حصن حياتي ممن ارتعب؛ عندما اقترب إليَّ الأشرار ليأكلوا لحمي، مُضايقي وأعدائي عثروا وسقطوا؛ إن يُحاربني جيش، فلن يخاف قلبي، وإن قام عليَّ قتال، ففي هذا أنا أطمئن ] (مزمور 27: 1 – 3)

فالمؤمن الحقيقي الذي آمن وأحب الرب بقلبه حاملاً صليبه المُحيي، لأنه تلميذاً حقيقياً له، هو الذي يثبت في موضعه، ولا يتراجع للوراء لأنه وضع يده على المحراث، مثل الفلاح الذي يحرث الأرض ناظراً أمامه ولا ينظر خلفه أبداً، ومهما ما كانت الصعوبات بل والرعب من الذي يقف أمامه، حتى ولو كان حتى جليات الجبار نفسه، الذي هزمه داود باسم رب الجنود، فأنه يرفض كل الأسلحة الأرضية مثلما فعل داود الطفل الصغير، متخذاً سهام الإيمان الحي؛ ملوحاً بقذيفة اعتراف الإيمان الصحيح، مباركاً في سر الاتضاع والمحبة وثقة الإيمان في المسيح الرب على وقاحة المقاوم، محتقراً كل تهديد يأتي عليه من أي اتجاه أو مكان أو شخص، أو حتى شيطان، غير مبالٍ بأي قوة مهما ما كانت، لأن من معه أقوى بما لا يُقاس ممن عليه، وبذلك يكون مستحقاً أن يتكلم المسيح الرب فيه بروحه القدوس الساكن في داخله، والذي يشع فيه غلبة يسوع بالصليب…

فيتقدم كغالب بروح قيامة يسوع، رافعاً علم الخلاص، أي الصليب في قلبه وفكره، قابلاً كُل ألم بلا دمدمة أو تزمُرّ، وبصبر الجندي في المعركة الذي يُصر على الغلبة لأنها حاضره أمام عينه، قابلاً أن يموت لأجل المسيح، ومستعداً لذلك في كل وقت وكل ساعة بل وفي كل لحظة من حياته…

فانتبهوا يا إخوتي لما أكتب ولما أقول، لأنه لو انتبهتم وراجعتم أنفسكم على ما كُتب ودخلتم في سرّ الشهادة بالإيمان الحي العامل بالمحبة، فالنصرة الأكيدة هي لكم، لأن الحرب للرب، وهو خرج غالباً ولكي يغلب في قديسيه، فلا تدعوه يسكت، واطلبوا حرارة روح الشهادة، الروح القدس، الرب المُحيي، فتكون لكم، لأنها لكم، إذ أنها عطية الله لمن يُريد حقاً، فقط لنتحرك نحو العريس السماوي بالتوبة طالبين عمله في داخلنا حسب قدرة استطاعته، ولا يقل أحد أن هذا ليس لي لئلا يخسر كل شيء، لأن المرتاب لا يأخذ شيئاً، بل يخسر كل شيء حتى نفسه !!!

اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ.
أَقُولُ لِلرَّبِّ: مَلْجَأي وَحِصْنِي. إِلَهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ.
لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ وَمِنَ الْوَبَاء الْخَطِرِ.
بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي. تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ.
لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفِ اللَّيْلِ وَلاَ مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِي النَّهَارِ.
وَلاَ مِنْ وَبَأٍ يَسْلُكُ فِي الدُّجَى وَلاَ مِنْ هَلاَكٍ يُفْسِدُ فِي الظَّهِيرَةِ.
يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ وَرَبَوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لاَ يَقْرُبُ.
إِنَّمَا بِعَيْنَيْكَ تَنْظُرُ وَتَرَى مُجَازَاةَ الأَشْرَارِ.
لأَنَّكَ قُلْتَ: أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجَأي. جَعَلْتَ الْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ.
لاَ يُلاَقِيكَ شَرٌّ وَلاَ تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ.
لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرْقِكَ.
عَلَى الأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ لِئَلاَّ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ.
عَلَى الأَسَدِ وَالصِّلِّ تَطَأُ. الشِّبْلَ وَالثُّعْبَانَ تَدُوسُ.
لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي.
يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ. مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقِ. أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ.
مِنْ طُولِ الأَيَّامِ أُشْبِعُهُ وَأُرِيهِ خلاصِي – مزمور 91


تم نسخ الرابط

هل تبحث عن  المؤمنة

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي