غير الدنسة الهادئة
تصف ثيؤطوكية يوم الأحد العذراء بالقول: “غير الدنسة الهادئة” وتتضح هذه الصفة للعذراء من هدوئها، كما ذكر الكتاب المقدس. لم يُذكر مطلقًا أن العذراء مريم اضطربت، إلا عندما حياها الملاك جبرائيل بعبارات التعظيم والمديح، ففكرت في نفسها، قائلة: “… مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هذِهِ التَّحِيَّةُ!” (لو 1: 29)، فبشرها الملاك عن خبر حملها الإلهي بالله الكلمة الأزلي، وكشف لها أنها ستحبل بالروح القدس دون زرع بشر. فأجابت بإيمان، قائلة: “… هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ” (لو 1: 38).
لقد كان قبول السيدة العذراء للبشرى الإلهية سيترتب عليها تبعيات خطيرة، تستدعي من أي فتاة (متبتلة) لا تنوي أن تعرف رجلًا التثقل بالهمِّ والاضطراب. فعلى سبيل المثال؛ من الطبيعي أن تفكر مريم في موقف خطيبها يوسف النجار تجاه هذا الحبل، الذي ستظهر آثاره عليها في خلال شهور، ولكن العذراء العفيفة لم تضطرب، ولم تجزع، لأنها كانت تؤمن أن الله سيدبر الأمر في حينه، كقول الكتاب: “فَضَعُوا فِي قُلُوبِكُمْ أَنْ لاَ تَهْتَمُّوا مِنْ قَبْلُ لِكَيْ تَحْتَجُّوا، لأَنِّي أَنَا أُعْطِيكُمْ فَمًا وَحِكْمَةً لاَ يَقْدِرُ جَمِيعُ مُعَانِدِيكُمْ أَنْ يُقَاوِمُوهَا أَوْ يُنَاقِضُوهَا” (لو 21: 14- 15). لقد اتصفت العذراء مريم بفضيلة الهدوء والثبات، ولذلك تمجدها الكنيسة بوصفها “غير الدنسة الهادئة”.
إن الخطية في قلب الإنسان تبدد سلامه، لأنها تجعله عدوًا لله، وخير مثال لذلك اضطراب قايين حين قتل أخيه هابيل، فقد أحس أنه لا بد أن يُقتل، ولهذا ظل يشعر أنه مطارد، حتى ولو لم يطارده أحد.
أيضًا تَمَلُّكْ الشهوات على قلب الإنسان يقلقه ويمرضه، فقد تمررت حياة شعب بني إسرائيل في البرية، بسبب اشتهائهم للكرات والبطيخ والبصل، الذي حُرِموا منه، عندما خرجوا من مصر.
إن الأبرار أمثال العذراء يتجنبون أسباب كثيرة للاضطراب. فهم لا يتزعزعون سريعًا بسبب نقاوتهم. لقد تعودت العذراء أن تنعم على الدوام بالسرور، لأنها تعودت على التمتع بتعزيات الروح القدس من خلال عبادتها الحارة، وبسبب معرفتها الروحية السامية لكلمة الله وللنبوات، وأيضًا بالتأمل العميق في عظم صنيع الله معها، وبما كُتِبَ في النبوات عن خلاص الله العظيم الذي عاينته في حياتها.
وتمتعت العذراء أيضًا بخدمتها لأليصابات وهي في الشهور الأخيرة من حملها بيوحنا المعمدان. لقد ملأ الفرح قلبها، كقول الكتاب: “… مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ” (أع 20: 35).
القارئ العزيز… لقد تعودت العذراء أن تهتم بأمور إيجابية تُشبع نفسها الهادئة بالسرور، أما ما هو فوق طاقتها فتتركه لعناية الله، كقول الكتاب: “… لِكَيْ يَهْتَمَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ أَنْ يُمَارِسُوا أَعْمَالًا حَسَنَةً. فَإِنَّ هذِهِ الأُمُورَ هِيَ الْحَسَنَةُ وَالنَّافِعَةُ لِلنَّاسِ” (تي 3: 8). فيا ليتنا نهرب من كل شر، ونركز كل اهتمامنا في الأمور النافعة لخلاصنا، حتى نقضي حياة هادئة ملؤها السرور، بسبب ما يهبه الله لنا من نعم وتعزيات. أما ما هو فوق قدراتنا فلنترك لله أمر تدبيره.