كأس الألم في حياة العذراء
بقلم المتنيح الانبا غريغوريوس

العذراء اختيرت لتكون الخادمة الأولى لسر التجسد، ولكى تكون السماء الثانية الملكة أم الملك،هل كان هذا الاختيار اعتباطا أو نوعا من المنحة التى لا أساس لها غير أن الله أمر فصار؟…لا…ليست هذه سياسة الله أبدا، أبدا، إذا كان المخرج لرواية قبل أن يسند الدور لهذا الإنسان أو ذلك ليقوم به، لابد أن يكون أولا مطمئنا إلى كفاءة هذا الإ نسان، بالدور قبل أن يسند إليه الدور.فكيف يسند الرب هذا الدور لمريم إلا وهو يعلم أن مريم يمكنها أن تقوم بهذا الدور، فليس الموضوع اعتباطا ولا هو من قبيل الأمر، ولا لأن مريم يمكن أن تقوم بدور كان يمكن أن تقوم به أى امرأة أخرى، لا…لو لم تكن مريم مستحقة لهذا الشرف لما أسند الرب إليها هذا، خصوصا وأن دور مريم ليس مجرد امرأة حملت وو لدت، إنما امرأة من شبابها اصطبغت با‏لألم وشربت من
‏الكأس التى شربها المسيح،
‏شربت الألم، ليس فقط فى طفولتها اليتيمة وما عانته، وما لم تره ربما طفلة
‏أخرى، انفردت مريم منذ طفولتها بالم
‏اليتم، ولكن ليس اليتم وحده، إنما عندما
‏اختيرت وظهرلها الملاك وبشرها بالحمل
‏الالهي منذ هذه اللحظة ايضا بدأت مريم
‏تعانى، عانت الشكوك فى طهارتها وعفتها،
‏حتى يوسف الذى يعرف طهارتها اضطر
‏أن يشك فيها، لأنها بعد أن ظهر لها الملاك
‏وبشرها، وبعد ان حملت ذهبت إلى بيت
‏أليصابات وقضت هناك ثلاثة شهور،
‏وحضرت ميلاد يوحنا، لأنه فى هذا الو قت
‏كان الشهر السادس لاليصابات وعندما
‏رجعت إلى بيتها فى الناصرة وراى يوسف
‏علامات الحمل، كرجل وكإنسان شك فيها
‏من أين هذا الحمل؟ فهو يعرف جيدا أن
‏هذا الحمل ليس منه، ولولا كما يقول
‏الإنجيل ان الرجل كان بارا لما قرر فى
‏نفسه أن يطلق سراحها سرا حتى لا
‏يفضح أمرها، لأن الشريعة كانت تبيح له
‏فى هذه الحالة ان يجمع عليها شيوخ
‏المدينة وأن يقضى عليها بالرجم، لأنها
‏وقعت فى هذا الخطر المحظور، لكنه لأنه
‏كان بارا لم يرد أن يفضحها فأراد ان
‏يخلى سبيلها سرا، هذا يعتبر فضيلة فيه،
‏لكن بالنسبة لمريم هذه الإنسانة
‏الطاهرة النقية التى يعلم الله طهارتها، كيف
‏كان وضعها من الداخل وهى تحس انها
‏متهمة ومتهمة من أقرب الناس إليها، هنا
‏بدأت حلقة جديدة من حلقات الآلام فى
‏حياة مريم، الاتهامات والظنون والشكوك،
‏وليس هناك أمر عند بنت عفيفة طاهرة بكر
‏من ان تتهم فى طهارتها، هذا هو سلاحها
‏، هذا هو راسمالها، هذا هومجدها، ليس
‏هناك أبدا شئ يجرحها أكثر مما يجرحها
‏شرفها الذى مس، والذى حدث يجعل كل
‏إنسان له عقل يكون معذورا أن يتهمها.
وظلت مريم فى وضع الاتهام كل أيام حياتها، وربما إلى اليوم يصب عليها اليهود الاتهامات يتهمونها فى طهارتها، وأقل ما فيها ما كان يقوله بعض اليهود عن المسيح، ها نحن عارفون بأبيه وأمه وكأن يوسف هو أبو المسيح، هذا هو أقل ما يمكن ان يكون من اتهام يصيبها بالالم. أن يعتبر ميلاد المسيح من يوسف وأنها تزوجت، وهى لم تتزوج ولكن هذا أقل ما فى القضية من اتهام. إنما مريم عاشت كل ايام حياتها فى هذا الاتهام.من الذى يصدق؟ وبعد ذلك عاشت مريم تعانى مع المسيح، حينما جاء ميعادها لتلد، كان أوغسطس قيصر اصدر أمرا أن يكتتب كل المسكونة، كل واحد يذهب إلى مدينته التى ولد فيها لكى يكتتب، لكى يسجل اسمه فى البلد التى هي مسقط راسه، ومريم كانت
‏من بيت لحم ومن بيت داود، ويحدث أن مريم فى الوقت الذى فيه ستلد المسيح، تضطر على الرغم منها ان تركب حمارا وأن تسير من الناصرة إلى بيت لحم، وياليتها وجدت هناك مكانا، وهى فى هذه
‏اللحظات الصعبة الحرجة لم تجد مكانا في الخان، لم يجدوا فى الخان مكانا فاستضافها الحيوان وولد المسيح فى مذود البقر، لماذا هذا كله؟ لماذا لم يتأخي اوغسطس قيصر فى الميعاد؟ لو كان أحد فينا لتذمر، لماذا لا يأتى الاكتتاب إلا فى الوقت الذى فيه مريم كمل زمانها لتلد؟ لكى تتعذب أكثر وتتالم أكثر؟ لماذا لم يتدخل الله ليسهل مهمتها !!هذه مهمته هو، لكن لكى تعرفوا أن الله لا يحابى كما نحن فتصور، ليس لأن الشخص مع الله ودائما يتعبد ويصوم تكون كل حياته سهلة، الله يعطينا مثلا ونموذجا، لايوجد إنسانة ممكن أن تكون فى وضع مريم، ومع ذلك سمح الله بأن تعانى مريم هذه المعاناة وهذا ايضا لخيرها الأبدى، لكى تصطبغ بصبغة الألم وتشرب من الكأس، وتعانى مع المسيح فتكون مشاركة له، مشاركة مع المسيح فى
هل تبحث عن  زمن أيوب

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي