قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اللهُ،
وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي [10].
* نصير بالحقيقة أحرارًا عندما يدبر الله حياتنا، أي يشكلنا ويخلقنا لا ككائنات بشرية، فإن هذا قد صنعه بالفعل، بل يجعلنا شعبًا صالحًا، الأمر الذي يفعله الآن بنعمته، حتى نصير خلائق جديدة في المسيح يسوع. لهذا نقدم الصلاة: “قلبًا نقيًا أخلقه فيّ يا الله” (مز 51: 10).
* “لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها”. إذن ما هي غاية قوله: “مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة”؟ ولماذا عاد فقال: “مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة”…؟
اسمع الآن وافهم أن عبارة “ليس من أعمال” قيلت عن الأعمال التي تظن أن مصدرها هو أنت وحدك. لكن لتفتكر في الأعمال التي يشكلها (يخلقها ويكونها) الله فيك. عن هذه يقول: “نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبق فأعدها الله لكي نسلك فيها”.
إنه لا يتكلم عن “مخلوقين” بخصوص خلقتنا ككائنات بشرية، بل الخلقة التي قيل عنها… “قلبًا نقيًا اخلقه فيَّ يا الله” (مز 51: 2). والتي قال عنها الرسول: “إذًا إن كان أحد في المسيح، فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا، ولكن الكل من الله” (2 كو5: 17-18).
القديس أغسطينوس
* “قلبًا نقيًا اخلقه فيَّ يا الله” (مز 51: 10). إنه يطلب مثل هذه الخلقة، ليس كمن ليس له قلب، وإنما إذ أفسده يشتهي أن يرجع ويكون نقيًا.
القديس ديديموس الضرير
* القلب في أصل خلقته نقي، لأن الله خلقه؛ وكل ما خلقه الله صالح ونقي، ولا يحتاج إلى تجديد. لكن قوله هنا “قلبًا…” يقصد به الفكر الهاجس في الزيغان، فإنه يطلب تطهيره من الهواجس السمجة… وقد جاء في نبوة حزقيال: “وأعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم” (حز 36: 26).
الأب أنثيموس الأورشليمي
* إنه ليس دنس الجسد بل دنس النفس الذي ينفر الله منه… ماذا يقول النبي؟ “قلبًا نقيًا اخلقه فيَّ يا الله” (مز 51: 10). وأيضًا: “اغسلي من الشر قلبكِ” (إر 4: 14).
القديس يوحنا الذهبي الفم
* يُظهر الرب أن الشعب النقي القلب هو مطوَّب. إنهم هؤلاء الذين إذ يعيشون بالإيمان بالله بذهنٍ نقيٍ وضميرٍ بلا غضنٍ، يرجون الحق في رؤية إله المجد في الملكوت السماوي العتيد. وكما يقول الرسول إنه ليس في مرآة في لغز، لكن وجهًا لوجه (أنظر 1 كو 13: 12).
الأب خروماتيوس
إن كنا قد نلنا الميلاد الجديد في مياه المعمودية، فصار لنا في أحشائنا القلب الجديد والروح المستقيم، لكننا نحتاج إلى تجديد يومي مستمر بالتوبة الدائمة وعمل الروح القدس فينا في استحقاقات الدم. يرى القديس أغسطينوس أن أصحاب القلب النقي يشعرون بخطاياهم، ويقدمون عنها توبة دائمة، أما المنحرفون، فيظنون في أنفسهم أنهم أبرار، وإن سقطوا في ضيقة يلومون الله.
بالقلب النقي والروح المستقيم الذي في داخلنا نرى الله مخلصًا، فنرتمي دومًا عند قدميه، طالبين غفران خطايانا، وينسحب قلبنا إلى أحضانه، لنجد فيها ميراثنا الأبدي. نرى في إخوتنا صورة الله، فنقدّرهم. وإن سقط أحدهم، مهما بلغت سقطته، لا نيأس من خلاصه، بل نصلي لأجله، ونقدم له أعمال محبة تجتذبه نحو العريس السماوي نفسه! هذا هو عمل الروح القدس فينا: يبكتنا على خطايانا، ويلهب قلبنا بالحب نحو الله والناس.