admin
نشر منذ سنتين
4
مزمور 38 - الثقة في مواجهة الأعداء

الثقة في مواجهة الأعداء:

لقد أعطت خطيته الفرصة للأعداء أن يتهللوا، كما يتهلل العالم دومًا إذا ما فشل الأبرار وسقطوا في الخطايا، لكن بالتوبة واجه المرتل أعداءه لا بقدراته الذاتية، وإنما بإمكانيات الله.
“لأني قلت لئلا تفرح بي أعدائي،
وعند زلل قدميّ عظموا عليّ الكلام.
أما أنا للسياط فمستعد،
ووجعي مقابلي في كل حين” [16-17].

لقد صمت المرتل أمام أعدائه متشبهًا بسيده الذي قيل عنه: “كشاة تُساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه” (إش 53: 7)، لكنه لم يصمت أمام الله، إذ يترنم هكذا: “لأني قلت: لئلا تفرح بي أعدائي“. بصمته وقف ينتظر عمل الله بروح الحكمة، هو صمت لكي ينطق الله، والآن يتحدث مع إلهه حتى لا يشمت به الأعداء ويتهللون لسقوطه، ويتعظمون عليه بالكلمات الجارحة والسخرية عند زلل قدميه، إنهم يترقبون انهياره كي يشهرّوا به ويعيروه (نح 6: 13)، لذا يلجأ إلى ذاك القادر أن يرفعه من السقوط.
قدم المرتل صلواته وتوسلاته لا ليُرفع عنه الضيق إنما لتُغفر له خطاياه، فمن جهة الضيق يعلن أنه مستعد أن يحتمل السياط كمن هو تحت الحكم؛ ضعفاته أمام عينيه على الدوام: “ووجعي مقابلي في كل حين“.

يعلق القديس أغسطينوس على قوله: “أما أنا للسياط فمستعد” هكذا: [نطق بهذه الكلمات بمهابة عظيمة كما لو أراد القول: “لهذا وُلدت كي أُعاني من الجلدات].
إنه لا ينتظر تعييرات الأشرار إذ يعترف بخطاياه، قائلًا: “لأني أخبر بإثمي، وأهتم من أجل خطيئتي” [18].
هنا يظهر سبب ألمه، ليس سقوطه تحت العقاب، وإنما من جراء الجرح لا العلاج. فإن العقاب هو ترياق الخطية.
يلزمكم أن تعترفوا بإثمكم (تعدي الناموس) فتغتمّون على خطاياكم.
ماذا أعني باهتمامكم بالخطية؟ أن تهتموا بجرحكم.

القديس أغسطينوس

حينما نتوب ونحن في حزن نتذكر أخطاءنا، فإن ينابيع الدموع التي تصحب اعترافنا بآثامنا تطفئ بالتأكيد نيران ضمائرنا.

الأب بينوفيوس

لأني أعترف بإثمي“.
كثيرًا ما تحدثنا عن شجب آثامنا، أي كثيرًا ما نعترف بآثامنا. تأملوا إذن ما يعلمنا إياه الكتاب المقدس: ألا تبقى الخطية مخبِأة فينا. فما أن يتهم الإنسان نفسه ويعترف حتى يتقيأ خطأه ويضع في الحسبان علة مرضه كله.
فقط احترسوا وتيقظوا بخصوص من تعترفون له بخطاياكم. اختبروا أولًا الطبيب الذي تكاشفونه علة مرضكم.

العلامة أوريجانوس

بعد اعتراف المرتل بضعفاته ملقيًا على نفسه صار يصرخ إلى الله لكي يخلصه من الأعداء أي الشيطان وأعماله الشريرة.
أعدائي أحياء وهم أشد مني” [19].
قوله أحياء ربما يعني أن عدو الخير وجنوده الروحيين قد بدأوا الحرب منذ الإنسان الأول ولازالوا يعلمون، حملوا خبرات لسنوات طويلة في حربهم ضد الإنسان، مع اتسامهم بالقوة والعنف… فأين أذهب منهم إلا إلى الله الحيّ معطي الحياة والقوة؟! لا علاج لمرضى الروحي ومضايقات الأعداء لي إلا الصلاة والالتجاء إلى الرب المخلص.
“الذين جازوني عوض الخيرات شرورًا،
محلوا بي (قاوموني) لأني كنت أُحاضر نحو العدل” [19].

عدو الخير شرير بطبعه يقابل حتى الخير بالشر، لأنه يبغض الحق، ولا يطيق الخير، لا عمل له إلا مقاومة من يتبع العدل والصلاح. يصرخ المرتل في موضع آخر، قائلًا: “وبدلًا من أن يحبوني سعوا بي، وأنا كنت أصلي، وقرروا عليّ شرورًا بدل الخيرات، وبغضًا بدل حبي” (مز 109: 4-5). هذا هو نصيب مُحب العدل، أن يكون موضع كراهية واضطهاد عدو الخير. وكما قيل عن قايين: “كما كان قايين من الشرير وذبح أخاه؛ ولماذا ذبحه؟ لأن أعماله كانت شريرة، وأعمال أخيه بارة” (1 يو 3: 12).
ما يفعلونه بالأبرار إنما هو امتداد لما صنعوه بواهب الخيرات نفسه، محب البشر، إذ يقول المرتل على لسانه:
“رفضوني أنا الحبيب مثل ميت مرذول،
ومساميرًا جعلوا في جسدي” [20].

قدم حبًا فقدموا له رفضًا كميت مرذول، وعوض خيراته سمروا جسده على خشبة الصليب.
الآن يتحدث المخلص المرفوض باسم كل مؤمنيه أعضاء جسده المشاركين له في آلامه، قائلًا:
“لا تهملني يا ربي وإلهي، ولا تتباعد عني.
التفت إلى معونتي يا رب خلاصي”.

من يلتصق بالمصلوب لا يعرف اليأس، إذ يرى الرب معين خلاصه، لا يهمله بل يلتفت إليه ليُقيمه.
واضح أن المرتل لم يكن يائسًا وإلا ما كان قد استخدم العبارة الأخيرة في هذا المزمور، التي هي مجمل كل صلاته؛ بينما يطلب الأعداء نفسه، ويعيش في ضيقة عظيمة إذا بالله يستقبله ويقيمه من جديد.
قد تبدو الظروف الظاهرة كلها ضدنا، لكن الله قادر أن يغيَّر ما هو ظاهر.

هل تبحث عن  بقوته ستحقق كل ما تتمناه

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي