“يحب الرحمة والحكم (العدل)” [5].
استعلن حبه وعدله في الخليقة، وفي تدبيره الإلهي للكون كله، وبالأكثر يسطعان ببهاء لا ينطق به في عمله الخلاصي.
ما أعجب كلمة الله المستقيم، لم يخلق شيئًا دنسًا أو منحرفًا! كل انحراف هو بسبب خطايانا، وكل فساد هو من صنع إرادتنا الذاتية! إن رجعنا إليه عادت الاستقامة إلى حياتنا، بل وإلى أرضنا؛ فإنه رحوم ينتظر إعلان حبه وحنانه دون إلزامنا أو قهرنا بالعودة إليه. عندما اجتاز مجد الرب أمام موسى تلامس النبي مع مراحم الله العجيبة وعدله، فقد قيل: “الرب إله رحيم، ورؤوف، بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء! حافظ الإحسان إلى ألوف! غافر الإثم والمعصية والخطية؛ ولكنه لن يبرئ إبراءً” (خر 34: 5). تحققت رحمة الله وأيضًا عدله على الصليب، حيث قدم كلمة الله حياته مبذولة لأجلنا، وقد دفع الثمن بالكامل. بالصليب “امتلأت الأرض من رحمة الله” [5]، إذ لم يعد الإيمان قاصرًا على شعب معّين، بل قبلت الشعوب الإنجيل، وتهللت برحمة الله الفائقة. صار ممكنًا لكل إنسان أن يدعو الرب فيخلص، ملتقيًا مع مخلصه أينما وُجد.
رحمة الله وعدله لا يفترقان؛ هو كلّي الرحمة وفي رحمته عادل؛ وكلّي العدل، وفي عدله رحوم. غير أنه يمكننا القول بإننا نعيش في عهد النعمة حيث تتجلى مراحم الله لتنتشلنا من هوة الهلاك ليحمل هو بعدله ثمن خطايانا، أما في الدهر الآتي فيحكم كديّانٍ ليجازي بعدله كل واحد حسب أعماله. من يقتني الرحمة الآن يفلت من الحكم، ومن يتهاون بالرحمة يسقط تحت العدل الإلهي.
* “يحب الرحمة والعدل“. لأنه يحب، يجب عليكم أن تختبروا تلك الرحمة وذاك العدل. الآن هو زمان رحمة؛ أما فيما بعد فيكون العدل.
القديس أغسطينوس
* إنه رحوم، لكنه هو ديان أيضًا، لأن الرب “يحب الرحمة والحكم” كما يقول المرتل…
أنتم ترون كيف بفطنة يهب الرحمة؛ لكنه ليس رحومًا دون عدل، ولا هو عادل دون الرحمة، لأن الرب رحوم وعادل (مز 115: 5).
القديس باسيليوس الكبير