لأنك أنت اقتنيت كُليتيّ

لأنك أنت اقتنيت كُليتيّ
يقول ذات المزمور ” لأنك أنت اقتنيت (امتلكت) كُليتيّ ” (عدد13). هل تعلم لماذا ذكر الوحي كلمة “كُليتيّ” بالذات؟ تأكد أن كل كلمة وردت في الكتاب المقدس لها مغزاها وأهميتها. فالكٌلى – كما كانوا يعتقدون قديماً – هي مكان المشاعر والعواطف بالمثل كما يُشار إلى القلب الآن. فالكٌلى هي مكان الرغبات والاشتياقات أي أكثر الأماكن المختبئة والدفينة داخل الإنسان. مؤكد أن هذا المعنى سيشجعك. فالله لا ينظر إليك من بعيد فحسب، بل يعرف الأفكار السرية والخواطر التي قد تطرأ على ذهنك.
تُرى هل تشعر بالوحدة وأنه لا يوجد من يفهمك؟ تُري كم مرة ظُلمت فيها من أقرب المقربين إليك وظنوا بك السوء لأنهم عجزوا عن أن يفهموك وعجزت أنت عن إقناعهم أو الدفاع عن نفسك؟ وكم مرة أويت فيها إلى فراشك والدموع تملأ عينيك محاولاً إمساكها لئلا يراك أحد؟.. إن كنت تجتاز في مشاعر مثل هذه، ثق أنه يقتني كُليتك {أي مشاعرك وأفكارك}.
في ذات يومٍ، وبعد قيامة المسيح من الأموات وقبل صعوده مباشرة، كان التلاميذ مُصابين بحالة من الخوف والإضطراب بسبب اليهود وبسبب فقدانهم لشخص الرب يسوع وموته فجأة. ولما تقابل الرب يسوع معهم بعد قيامته، عَلِمَ أفكارهم التي كانت تدور داخلهم وتزعجهم. ” فقال لهم ما بالُكُم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم ( لو24: 38).َ عَرِِفَ أفكارهم حتى قبل أن يتفوهوا أمامه بكلمات. ألا يُفرحك هذا المعنى؟ إن من أسمى المشاعر التي يشعر بها الإنسان هو إحساسه بأن هناك مَنْ يفهمه حتى قبل أن يتكلم. وهذا ينطبق تماماً على شخص الرب يسوع الذي هو صديق ألزق من الأخ (أم 18 :24). يعرف مشاعرك ويُقدر الظروف التي تمر بها. أنت لست وحيداً أو تائهاً. أنت ثمين لأنه خلقك وعرفك وبالتالي يفهمك.
لنعود مرة أخرى إلى مزمور 139 حيث يقول داود النبي ” نسجتني (غطيتني) في بطن أمي ” (عدد 13). لقد غطى الله عظامك بالجلد، وهذا ما ورد في سفر أيوب “كسوتني جلداً ولحماً ” (أي 10 :11). وكما يشير الجلد إلىالحماية أي الغطاء الذي يحمي، هكذا حَمَاك الرب واعتنى بك وأنت لا تزال جنيناً في مرحلة التكوين.. كانت عيناه عليك قبل أن يراك أحد حتى أمك التي حملتك.. وكانت عيناه تحرسك قبل أن ترى حياتك النور..
وهناك أيضاً آية رائعة في ذات المزمور ” لم تختفِ عنك عظامي حينما صُنعت في الخفاء.. رأت عيناك أعضائي وفي سفرك كلها كُتبت يوم تصورت إذ لم يكن واحدٌ منها ” (آيات 15 –16). لقد كتب كل التفاصيل التي تصورها في فكره عنك وأراد أن يخلقك عليها قبل أن تخرج إلى الحياة. أراد أن يتفنن فيك لُيُخرجك للوجود في صورة رائعة كالمهندس الماهر الذي يضع الخريطة أولاً بكل تفاصيلها بدقة قبل أن ينفذها، وكالفخاري الذي يفكر في الإناء ويتخيله قبل صناعته على أروع وجه، هكذا كتب الله عنك كل شيء في سفره قبل أن يتخيلك أحد وحتى قبل أن يوجد شيء يٌكتب عنك. رأت عيناه كل شيء.. رأت أعضائك وعظامك.. رأت الأجزاء الداخلية التي لا يراها أحد سواه.. رأت عيناه الأمور الثمينة بداخلك.. رأى الإمكانيات والمواهب والمهارت التي منحك إياها والتي لاتزال مختبئة في داخلك. فربما تكون غير راضٍ عن نفسك أو غير واثق في إمكانياتك بسبب أنك لا ترى الجمال الداخلي الذي خلقك الله عليه، ولكن الله يرى ذلك الجزء الخفي الذي مازال كامناً داخلك. ولكن كما أنك لا ترى عظامك رغم وجودها، هكذا ثق أنك تمتلك جمالاً داخلياً وثق أن الله يحبك ويٌريد أن يٌخرج تلك الإمكانيات والمواهب إلى النور.
الآن وأنت تقرأ هذا الكتيب، يدعوك الرب أن تطرح كل أكاذيب وضعها إبليس في ذهنك، وتستقبل في قلبك هذه الرسالة وكلمات الله المشجعة لك فترفض كل شعور بالوحدة والتيهان أو الخوف من المستقبل المجهول. فأنت محبوب ولست وحيداً أو نكرة.. أنت لم تأتِ إلى هذا العالم صٌدفة بل جئت حسب مقاصد الرب الإلهية والرائعة لحياتك.
ثق إنه أحبك حتى قبل أن تشعر بوجودك.. أحبك وأنت بعد جنيناً. فقبل أن تقوىعلىعمل شيء، أحياك الله وأسندك وأخرجك إلى الحياة بمعونته وبدفعة من يده لتعيش حسب مقاصده. “لأنك أنت جذبتني من البطن. جعلتني مطمئناً على ثدي أمي. عليك اٌلقيت من الرحم…” ( مز22 :9).
ثق إنه لا يزال يحبك. فإن كان قد عرفك واهتم بك من قبل تكوينك، فكم بالحري يهتم بك الآن؟!. وثق أنه سيستمر يحبك ويعتني بك في كل مراحل حياتك وحتى الشيخوخة لأنك ثمين في عينيه. وهذا هو ما يوضحه لنا سفر إشعياء ” وإلى الشيخوخة أنا هو وإلى الشيبة أنا أحمل. قد فعلت وأنا أرفع وأنا أحمل وأٌنجي ” (إش 46 :4).
لذا دع حبه يتغلغل داخلك ويشفي أعماقك من المرارة والتيهان والمخاوف العميقة. افتح له أماكن الضعف والحرمان التي في نفسك، واستقبل محبته العجيبة. دعه يحررك ويخلصك تماماً من هذه المشاعر والأفكار المؤلمة واثقاً أن محبته تحمل شفاءً لك “.. لأن المحبة الكاملة (محبة الرب يسوع الشافية) تطرح الخوف إلى الخارج ” (1يو4 :18).
ليس هذا فقط.. بل أكثر
يكشف لنا داود الملك في ذات المزمور عن جانب آخر ثمين من محبة الرب إذ يقول:
“أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السموات فأنت هناك. وإن فرشت في الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك أيضاً تهديني يدُك وٌتمسكني يمينك. فقلت إنما الظلمة تغشاني. فالليل يضيءحولي. الظلمة أيضاً لاتُظلم لديك والليل مثل النهار يضيء. كالظلمة هكذا النور ( مز139 :7-12).
لم يٌدرك الملك داود محبة الرب واهتمامه به في تكوينه منذ أن كان جنيناً فحسب، ولكنه اكتشف محبة الرب له بطريقة فريدة من نوعها استمرت ترافقه في كل مسيرة حياته. فأحياناً، عندما كانت تساوره فكرة الهروب من الرب والابتعاد عنه بسبب أخطائه أو شعوره بالفشل والعجز وأنه غير مستحق أن يقف أمامه، سرعان ما يكتشف أن محبة الرب له قوية وثابتة وأن الرب لا يزال قريب جداً منه ويبحث عنه ولا يرفضه، بل ويحاصره دائماً من كل جانب. كان يشعر بيد الرب عليه، تلك اليد القوية الحافظة التي تحامي وتدافع عنه حيثما ذهب.. فحتى وإن صعد إلى السموات أو ذهب إلى الهاوية أو سكن في أقاصي البحر أو حاول أن يختبىء بعيداً في الظلمة بسبب عيوبه أو خطاياه، يجد الرب يحاصره دائماً بمحبته ورعايته، فيحول الظلام إلى نور والليل إلى نهار، ويُمسكه بيده ويهديه من جديد. وبالتالي كان يُدرك أنه لن يستطيع أن يهرب منه بل إنه في أشد الاحتياج أن يهرب إليه.
والآن ماذا عنك أنت؟ هل تهرب من الرب خوفاً منه أو خوفاً على حياتك؟ هل لديك أفكاراً خاطئة أو أكاذيب أتت إليك من العدو ضد الرب؟ هل تظن أنه يرفضك بسبب أخطاءك وعيوبك ويريد أن يعاقبك؟ هل تظن أنه قد نساك وأنه لا يكترث بك أو بأمورك؟ أم هل صرت بعيداً عنه تشعر أنك في الظلام أو صرت في البرية؟ وهل تشعر أنك تعيش في ليل الحياة حيث الخطية والنجاسة ملوثاً بوسخ الحياة؟

هل تبحث عن  كن انت صورة عن إلهك

إن كنت تعاني من أمور مثل هذه، فاعلم أنك مثل داود، واعلم أنه في كل الأوضاع لا يزال الرب يبحث عنك. هذا هو المعنى الذي يملأ الإنجيل والذي ينبغي أن يمتليء به قلبك أيضاً. ” الله دائماً يبحث عنك وبإصرار لأنك ثمين في عينيه “. هل تصدق هذا؟.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي