الطريقان
الطريقان

يوضح المزمور الأول بجلاء أن الإنسان بين طريقين لا ثالث لهما وهما طريق الأبرار وطريق الأشرار وكل له مواصفاته ومكافأته. فطريق الأبرار شجرة، وطريق الأشرار عصافة (القشرة التي تغلف حبة القمح في السنبلة) والفرق بين الاثنين شاسع.
طريق الأبرار بنيان مستمر ” تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ” وطريق الشرار خراب تام ” أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَتَهْلِكُ.” طريق الأبرار أوراقه سليمة وجذوره متأصلة والمكان الذي ينبت فيه أرض صالحة ولعل المقارنة التي وردت مع المزمور الأول في (إرميا 17: 5- 8) يبين لنا أن الأرض هي ” أَرْضًا سَبِخَةً وَغَيْرَ مَسْكُونَةٍ.” وحسب ما هو معروف أن النبات لا ينمو في هذه الأرض السبخة التي تقتل كل ما فيها من زروع ونباتات. ومن الواضح من خلال المقابلات أن المزمور الأول يضع أمامنا مفهومًا للسعادة وللحياة وللبر، ويجعلنا نفهم الواقع المعاش من خلال نظرة الله. فهو يوضح لنا
1- طريق السعادة والنجاح.
2- طريق الفشل والدمار.

أولا: طريق السعادة والنجاح
في هذا الطريق قد نجد عثرات كثيرة فهو ليس مفروشًا بالورد والرمال ولكن قد توجد فيه الأشواك والمعطلات. فنحن نعيش وسط ثلاثة نماذج مقلقة وهم: الأشرار، الخطاة، المستهزئين. والنجاح المقصود به هنا كيف نحيا حياة التميز وسط هؤلاء؟ وما هو انتمائي الحقيقي لمن أنا؟
تأتي صورة الرجل المطوب السعيد هو بطريقة سلبية في العدد الأول، وبطريقة إيجابية في العددالثاني:
طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي: 1- لا يتدرج في طريق الخطأ عبَّرَ عنها بالأفعال الآتية: يسلك، يقف، يجلس) سبقتها أداة النفي لم تعبر عن عدم الانحدار الأخلاقي.
لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ،
وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ،
وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ.

هل تبحث عن  الإبركسيس فصل من أعمال آبائنا الرسل الأطهار ( 20 : 17 - 38 ) يوم الاربعاء

2- في التعبير عن عدم الانحدار أيضًا في استعماله لكلمة (مشورة، طريق، مجلس) وهي تعبر بجملتها أنَّ الخطأ قد يبدأ بمشورة خاطئة تجر على طريق ثم يقود الطريق على مجلس.
لَمْ يَسْلُكْفِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ،
وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ،
وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ.

3- أنواع الناس الذين نتعامل معهم يقسمون على ثلاث فئات وهم: الأشرار، الخطاة، المستهزئين.
لَمْ يَسْلُكْفِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ،
وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ،
وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ

الانحدار يبدأ من السير في طريق الخطأ، ثم الوقوف فيه، ثم الجلوس. الرجل الذي ينسلخ من هؤلاء فطوباه لأن “لاَ تَضِلُّوا! فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ.” (1 كورنثوس 15: 33).
الواقع اليومي والحياتي، وصفحات الحوادث، وسجون الأحداث تخبرنا أن الانتماء لشلة فاسدة، والاستماع لمشورة شريرة، يقود على الضياع، فلمن أنتمي تعرفني نهاية الطريق منذ بدايته.

مصدر الحماية:
“لَكِنْ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلًا.”
طُوبَىلِلرَّجُلِ الْمُتَّقِي الرَّبَِّ الْمَسْرُورِ جِدًّا بِوَصَايَاهُ.” (مزمور 112: 1)
هذا الرجل الذي لم ينحدر في مواقف أخلاقية مشينة هو ذاته الذي يرتبط بكلمة الله كمصدر للحماية له، وهو لا يتعاطى مع كلمة اله كفرض أو واجب ولكن يتعامل معها بكل سرور وحب، وتذكر دائم. قال الرب يسوع وهو أصدق من قال: “…طُوبَى لِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ وَيَحْفَظُونَهُ.” (لوقا 11: 28). ونتذكر أهمية كلمة الله في حياتنا اليومية والتعليمية والسلوكية ” كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ” (2 تي 3: 16) ولكلمة الله لها تأثير وفاعلية كبيرة: “لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ.” (عبرانيين 4: 12).

هل تبحث عن  فوز بالخلاص أولئك الذين لا تحامي عنهم مريم الأم الإلهية

النتيجة:
تتعدد النتائج للإنسان المطوب الذي يحفظ نفسه أخلاقيًا، والذي يرتبط بكلمة الله بحب ووعي وفهم. فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِيِِ الْمِيَاهِ،
الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ،
وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ.
وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ.
ونستطيع أن نجمل النتائج في الأتي:
1- الثبات والاستقرار: “فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِيِِ الْمِيَاهِ.” الشجرة المغروسة عي المتأصلة في الأرض بجذور قوية ومتينة لا تخشى الرياح أو الهواء أو الزوابع من حولها، ففي أصالتها تعطي الثبات والاطمئنان. وهذا بخلاف العصافة التي تذريها الريح، والعصافة هي القشرة الغلاف التي تغلف بها الحبة في السنبلة، وأمام الريح هناك فرق كبير بين العصافة والشجرة.
2- النمو المتزن(على مهل): “الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ.” تخضع للنمو الطبيعي في الحياة وفق فصول السنة المختلفة، النمو في هدوء واتزان، لا تتعجل النجاح السريع، أو الدعاية المبهرة ولكنها تعمل في هدوء وصمت.
3- الحيوية في الأداء والعطاء: “وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ” ليس هذا معناه أن هذه الشجرة تعمل ضد فصول السنة، فهي تخضع للخريف والصيف والربيع، ولكنها لا تفقد الحيوية أبدًا، وهذا معناه إمكانية النماء المستمر.
4- حتمية النجاح: “وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ” النجاح فكل الاتجاهات، وعلى جميع الأصعدة فالنجاح كل لا يتجزأ ولعلنا نتذكر يوسف الذي سجل عنه الوحي النجاح “وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ فَكَانَ رَجُلا نَاجِحًا” (تكوين 39: 2) وكانت طلبة يوحنا إلى غايس أن يكون ناجحًا “أَيُّهَا الْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ.” (3 يوحنا 2)

الطريق الثاني: طريق الفشل والدمار:
أما عن الطريق الثاني فحدث ولا حرج فهو نهايته الهلاك “الشرار، والخطاة، والمستهزئين، هم كعصافة تذريها الريح قد يكون نجاحهم سريع، وبضاعتهم مغرية، ولكن نهايتهم أليمة.

هل تبحث عن  سنكسار الثلاثاء 25 اغسطس 2020 م الموافق 19 مسرى 1736 ش

ماذا نستفيد من قرأتنا للمزمور الأول في حياتنا المعاصرة؟

1- التأكيد على أهمية كلمة الله في الحياة في فهمها ودراستها وفحصها، لا نهمل قراءة الكتاب ولا نهمل درس الكتاب. يذكر سفر أعمال الرسل جماعة أهل بيرية الذي لقبهم الكتاب بالشرفاء لماذا؟” وَكَانَ هَؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هَذِهِ الْأُمُورُ هَكَذَا؟” (أعمال الرسل 17: 11).
2- مواجهة التحديات والمغريات التي تأتينا الطرق الشريرة، ومهما كانت المغريات سهلة، لذيذة، مربحة، حلوة، فندرك أنَّ نهايتها الهلاك.
3- الدور الرقابيّ والإشرافيّ على أولادنا، وبناتنا، وأحفادنا، مع من يسيرون (الشلة)، والتوعية المستمرة لهم لكي لا ينزلقوا في طريق الخطأ.
4- التأكيد على واقعية الحياة من حولنا، ومحاولة شق طريق مختلف قد يكلف، وقد يتعب، ولكنه، مطوب.
5- لا للتنازلات في الحياة، ولا للمساومات على الخطاء.
6- محاولة إحياء القيم الإيمانية والمجتمعية، وإبرازها، وتزكيتها، وتشجيع العمل بها.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي