نشيد الخلاص
المزمور السادس والسبعون

1. المزمور السادس والسبعون هو مزمور مديح. تنشده الجماعة اكرامًا لاله العهد وحامي المدينة المقدّسة، وترفعه إلى رب الكون وديَّانه الذي جعل مقامه في صهيون. نجد فيه سجلّ انتصارات الرب الساكن في أورشليم، بعد أن احتلَّها داود وجعلها عاصمته ونقل تابوت العهد إليها. ليس من الضروريّ أن يكون الحدث الذي انطلق منه المرتّل هو خلاص أورشليم من يد سنحاريب ملك أشور. كل معركة في أرض الميعاد يشارك فيها الرب شعبه، ومن أورشليم حيث يقيم تابوت العهد يرسل عونه وخلاصه لشعبه.

2. نشيد انتصار للرب الجالس في صهيون.
آ 2- 4: نصب الرب خيمته على مثال الفاتحين ليقبّل خضوع المغلوبين في شاليم (تصغير أورشليم) التي هي مدينة الله العلي، صهيون. ويروي المزمور كيف احتلّ داود أورشليم وجعل يبوس القديمة (أورشليم) عاصمة مملكته، ورمْز وحدة دينيّة وسياسيّة بين قبائل الشمال وقبائل الجنوب (ذكر يهوذا واسرائيل أي مملكة الشمال ومملكة الجنوب، رج 114: 2). تمّت الوحدة السياسية حول مدينة محايدة، أما الوحدة الدينية فتتمّ حول الرب الملك، تبارك اسمه العظيم، الذي جعل من انتصاره على يبوس نهاية الأمم المتحالفة على شعبه وعربونًا لفشل كل الهجمات على أورشليم.
آ 5- 7: انتهت الحرب وجُمعت الاسلابُ تلالاً على جبل صهيون. لم يحصل العب على النصر بسبب قوته أو جبانة الأعداء، بل بسبب تدخّل الله. أرعد الرب في السماء (ظهور الهي) فجمدت مركبات العدو وتربَّطت أيدي فرسانه.
آ 8- 10: صارت صهيون مدينة الله المنتصر وأصبحت مكان قضائه وعدله. وعندما يقف الرب ليدين فمن يجسر أن يقاوم غضبه، وحكمه لا استئناف فيه. وهو ينزل من السماء على الأرض كالرعد، فتفزع الأرض وتسكت.
آ 11- 13: لدينونة الله وجهان: الأول يحمل الغضب إلى أعدائه وأعداء شعبه، والثاني يحمل الخلاص إلى ودعاء الأرض والمساكين. يضرب المقتدرين ويحل سلطته الشاملة على الكون فتأتي الممالك وتقدّم الخضوع في أورشليم لأن كل مقاومة ستحطّم والثائرون سوف يهلكون (2: 12).

هل تبحث عن  "بَيتَ عَنْيا" בֵית־הִינִי في الكتاب المقدس

3. يتذكّر المرتّل، فيما يتذكّر، خلاص أورشليم من يد الأشوريين (2 مل 19: 35). لقد بقي هذا الحدث عالقًا في الاذهان كعلامة لبركات الله على صهيون. بهذا الخلاص شدّد الرب المساكين، تلك البقيّة الباقية التي تكلّم عنها أشعيا (10: 20)، والتي تعتمد على الرب قدوس اسرائيل (عا 5: 15؛ مي 4: 7)، والتي هي بذار شعب الله الذي سيُولد من جديد في المستقبل.
في هذا المزمور نتعرّف إلى حضور الرب الذي كشف عن ذاته في أورشليم، فحكم على الأمراء والسلوك، ومنح بقدرته الشعب انتصارًا في إحدى المعارك الحربيّة. ففهم الشعب أن هذا الانتصار يدلّ على حضور الرب في وسطه ليدين الذين يتجرّأون على اليوم على صهيون وتحدّي الرب الاله الساكن فيها.

4. لا تزال جماعة الله تشعر بالمضايقات في مسيرتها على هذه الأرض. فلماذا تبدو قضية الله ضعيفة في العالم؟ الجواب يكون في إيمان نعلنه في نشيدنا الدائم لله وفي ثقة نحرف بواسطتها أن الله سيد التاريخ وله فيه الكلمة الفصل. يتأخَّر الله ليتدخّل ولكن لا شكّ في أنه سيتدخّل. “إن مجيء الرب قريب… والديّان واقف على الباب” (يع 5: 8- 9). نتلو هذا المزمور فنتذكّر كلام يوحنا في سفر الرؤيا (14: 10): “من سجد للوحش وصورته وكان موسومًا على جبهته أو يده، فلا بد له من أن يشرب من خمر غضب الله”. ونتذكّر أيضًا انتصار المسيح الملك على قوات العالم في نهاية الأزمنة (رؤ 19: 15- 21)، وهو من أقامه الله ديانًا للأحياء والاموات (أع 10: 42).

5. سيدين الرب الكون كلّه لأنه افتداه كلّه. سمعتم في الإنجيل أنه عند مجيئه “سيجمع مختاريه من رياح العالم الأربع” (مت 13: 27). يجمع المختارين من الرياح الاربع يعني أنه يجمع العالم كله. فكما قلت سابقًا، آدم يعني في اليونانية الكون. والحروف الاربعة التي تكون اسم آدم هي الحروف الأولى لأربعة أقسام الكون. لقد انتشر آدم في العالم كله.
في البدء وُجد آدم في مكان واحد حيث سقط فتفسّخ، وملأت بقاياه الكون. ولكن رحمة الله جمعت القطع من كل مكان وذوّبتها في نار الحنان وأعادت بناء الوحدة المحطّمة. لا غرو أنه عمل عظيم، ولكن تأملوا الصانع الماهر. فهذا الفنان العظيم عرف كيف يصلح عمله. إذن، لا نيأس. فالذي صنعنا أعاد صنعنا، والذي كوَّننا أعاد تكويننا.
“يدين الكون كله بالعدل والشعوب بالحق” (96: 3). أي عدل وأي حق؟ يجمع المختارين ليدينوا معه ويفصلهم عن الآخرين. يقيمهم عن يمينه والآخرين عن يساره. فالذين صنعوا الرحمة سيدانون بالرحمة.
هل تريد أن تحصل على الرحمة؟ كن رحومًا قبل مجيء المسيح. اغفر إذا أساء أحد إليك وأعط بسخاء. من أين تأتيك المواهب إلاّ منه؟ فإن أعطيت من خيرك كان عطاؤك سخاء. ولكن إن أعطيت ممّا له كنت كمن يردّ. “إذا، ماذا لك ولم تأخذه”؟
فالتقادم المرضيّة عند الله تسمَّى الرحمة والتواضع والاعتراف والسلام والمحبّة. لنحملها فنقدر أن ننتظر بأمان مجيء ديّاننا الذي يدين الكون. (أوغسطينس).

هل تبحث عن  مزمور 18 - يإن الموت لا يستطيع أن يحطم نفسه باليأس

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي