admin
نشر منذ سنة واحدة
4
في عيد الأنبا أنطونيوس


اليوم في عيد الأنبا أنطونيوس، أتأمل معكم إكرام كنيستنا للقديسين. في الواقع أن كل أبناء الكنيسة القبطية يحبون القديسين محبة كبيرة، ربما لا توجد في أية كنيسة أخرى.
انظروا إلى أعياد القديسة العذراء مثلا، وأعياد مار جرجس، وأعياد الملاك ميخائيل، والأنبا أنطونيوس، والقديسة دميانة، والأنبا رويس والأنبا بيشوى، والأنبا موسى الأسود، ومكسيموس ودوماديوس.. كم ترون في زحام الناس ومحبتهم وتشفعهم بالقديسين..!
كم من قديسين تركوا العالم، ولكن العالم لم يتركهم ولا نسيهم.
هم أمامنا في كل حين، نقابل حياتهم بوفاء عميق. وفاء نحو آباء عاشوا في غير زماننا. ولكنهم ما زالوا في قلوبنا وفى أفكارنا. أنها مشاعر وفاء، ومشاعر حب نحو الآباء.
وحب الآباء الروحيين فضيلة راسخة في أبناء كنيستنا. سواء الآباء الأحياء. أو الذين انتقلوا منهم.. نقابلهم جميعا بكل توقير لأبوتهم، ولحياتهم، وذكراهم. ولا يفهم الآباء خطأ، ما قد فهمه البعض من عبارة: “لا تدعوا لكم أبا على الأرض”. فهذه العبارة قالها السيد المسيح للرسل الإثنى عشر فقط، لا لعامة الناس، على اعتبار أن الرسل وخلفاءهم ليس لهم آباء على الأرض. أما بقية الناس فلهم آباء.
يوحنا الرسول يقول: “يا أولادي، أكتب لكم هذا لكي لا تخطئوا” (1 يو 2: 1). وبولس يصف تيموثاوس بأنه “الابن الحبيب” (2تى 1: 2). وتيطس “الابن الصريح حسب الإيمان” (تى 1: 4). ويقول لفليمون: “أطلب إليك لآجل أبني أنسيموس الذي ولدته في قيودي” (فل 10). ويقول لأهل غلاطية “يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضا” (غل4: 19). ويقول لأهل كرونثوس” أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل” (كو 4: 14-17). وبطرس الرسول يقول: “مرقس أبني” (1بط 5: 13).
الأبوة الروحية موجودة إذن في الكنيسة ونحن نحب آباءنا.
وهناك رابطة كبيرة بيننا، وبين الذين في الفردوس.
رابطة بين أهل العالم الحاضر والأخر. وهذه الرابطة مستمرة. إكرام القديسين دليل على وجودها. فالله ليس إله أموات. وإنما إله أحياء.
ونحن نشعر أن هؤلاء القديسين ما زالوا أحياء، وأنهم يعيشون بيننا، ونتحدث إليهم تماما كما نتحدث إلى الأحياء.
يقف إنسان أمام أيقونة العذراء أو مار جرجس أو الأنبا أنطونيوس، ويطلب، ويتكلم في دالة، ويعاتب أيضًا.
نحن لا نشعر إطلاقا أن القديسين قد فارقوا عالمنا، أو انتقلوا منه أو انتهوا..! كلا، بل نشعر بوجودهم باستمرار.
ونذكرهم ليس في أعيادهم فقط، بل في كثير من صلواتنا.

هل تبحث عن  إشتهيتك في الليل _ نيقيطس الرمسياني





القديس الأنبا أنطونيوس مثلًا، لا نذكره فقط في عيده، إنما يذكر في مجمع الآباء في كل قداسات الكنيسة. وليس فقط في القداسات، إنما أيضا في تسبحه نصف الليل كل يوم في الأبصلمودية، نذكره مع آبائنا جميعا..
نحن لا ننسى آباءنا أبدا،مهما نسى الغير آباءهم وأجدادهم. أنها كنيسة تتسم بالوفاء وحب الآباء.
وفى ذكرنا للقديسين وإكرامنا لهم، إنما نعلن إيماننا بالأبدية، وبأن الحياة لا تنتهي بالموت، وإنما لها امتداد بعد الموت..
لولا شعور كل واحد منا، بأن الأنبا أنطونيوس لا يزال حيًا يشفع فينا ويشعر بنا، ما كنا نحتفل به الآن، ونردد له الألحان..! أنحتفل بحفنة تراب؟ كلا،بل بحياة. إننا نحتفل بكائن حي، نثق بأن حياته مستمرة، في الأبدية. وهذا يعطينا أيضا ثقة، بأن حياتنا ستبقى مثل آبائنا..
وفى إكرامنا للقديسين، إنما أيضا نكرم الفضيلة، التي عاشوها.
الذين يكرمون رجال العلم، إنما يكرمون العلم أيضًا.. والذين يكرمون الأبطال، إنما يكرمون البطولة فيهم، والذين يكرمون الأذكياء، إنما يكرمون الذكاء ضمنا. كذلك الذين يحبون القديسين ويكرمونهم، إنما يحبون القداسة فيهم ويكرمونها..
نحن نحب القديسين، لأن في حياتهم صفات نحبها. والكنيسة في إكرامها للقديسين، إنما تكرم صفات القداسة في أشخاصهم. حينما نقرأ كتابا روحيا، نطلع على مبادئ وأفكار روحية.
أما في حياة القديسين، فنرى المبادئ الروحية ممثلة عمليًا.
ونثق أن الفضائل ليست أمورا نظرية، بل هي واقع ملموس، فنطمئن ونثق أن طريق الكمال ممكن التنفيذ…
وحياة قديس كالأنبا أنطونيوس تعلمنا أشياء كثيرة.
تعطينا فكرة كيف أن الإنسان يمكنه أن يكتفي بالله، ومعه لا يحتاج إلى آخر، ولا يعوزه شيء. بحيث يستطيع أن يترك الكل من أجل الرب، الذي يصير له الكل في الكل.
وتعلمنا سيرته أيضًا، كيف يمكن أن الإنسان يجلس وحده، فلا يمل ولا يسأم ولا يضجر، لأن قلبه مع الله في كل حين شبعان بالرب..
تعطينا حياته مثالا عمليا عن الصداقة مع الله، والعشرة مع الله، التي تملأ القلب وتملأ الفكر، وتملأ الحياة، فيقول مع المزمور: “معك لا أريد شيئا على الأرض”. إنها حياة: “الانحلال من الكل. للارتباط بالواحد “آي ينحل من كل أحد،ومن كل شيء لكي يرتبط بواحد هو الله..
وما أكثر الفضائل التي نراها عمليا في حياة هذا القديس. في المعرفة، في الإفراز، في التواضع، في الهدوء والسكون. في الوحدة في محبة الله، أترى أنسانا يحوى كل هذا في حياته؟! لأجل هذا قلت لكم أن القديسين عينات ممتازة من البشر..
ومحبتنا وإكرامنا للقديس الأنبا أنطونيوس، تعنى أيضا محبتنا لحياة الصلاة والتأمل والنسك، التي اتصفت بها حياة الرهبنة.
لو لا إعجاب الناس بهذه الحياة النسكية والتأملية التي عاشها الأنبا أنطونيوس ما كانوا يبنون الكنائس والمذابح على أسمه، وما كانوا يرسمون له الأيقونات، ويقيمون له الأعياد.
وإكراما للقديسين يعنى أيضا لله نفسه…
لأنه قال: من يكرمكم يكرمني. ومن يقبلكم يقبلني.. ولأننا نحب الله، لذلك نحب أولاده الذين أحبوه…
والكنيسة في إكرامها للقديسين، وزعت أعيادهم على مدار السنة.
فى كل يوم من أيامنا، تحتفل الكنيسة بعيد أحد القديسين. أو بعض القديسين، لا يخلو يوم من تذكار قديس..
ونحن نحتفل بهؤلاء القديسين في أيام انتقالهم من هذا العالم، في يوم الوفاة أو يوم الاستشهاد، لأنه اليوم الذي أكمل فيه القديس جهاده على الأرض.. وكما قال الرسول: “انظروا إلى نهاية سيرتهم، فتمثلوا بإيمانهم” (عب13: 7).
هؤلاء القديسون الذين نحتفل بهم، إنما هم عينات ممتازة.
إن كل من يحيا حياة الإيمان؛ يسميه الكتاب قديسًا.
يكتب القديس بولس الرسول إلى: “القديسين الذين في أفسس” (أف 1: 1) وإلى: “جميع القديسين في المسيح يسوع الذين في فيلبى” (فى1: 1) ويختم رسالته إليهم بعبارة “يسلم عليكم جميع القديسين” (فى4: 22). ويكتب أيضا إلى:”القديسين الذين في كولوسي” (كو1: 2)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ويخاطب العبرانيين بقوله: “من ثم أيها الأخوة القديسون، شركاء الدعوة السماوية” (عب 3: 1). لأشك أن كل مؤمن، نزع الإنسان العتيق، ولبس المسيح في المعمودية(غل3: 27). وسكن فيه الروح القدس، وعاش في طاعة الرب؛ وفى ممارسة أسراره المقدسة، هو قديس.
لكننا هنا لا نتكلم عن القداسة العادية، إنما نقصد العينات الممتازة، التي ارتفعت روحيا فوق المستوى العادي كالأنبا أنطونيوس.
هؤلاء جاهدوا كثيرا لكي يصلوا إلى هذه القداسة. وكل جهاد لهم، إنما برهنوا فيه على محبتهم لله، وعلى أنهم مستعدون لبذل كل جهد من أجل الثبات في الرب.
وهذا لا يمنع من أن البعض ولدتهم أمهاتهم قديسين، أو كانوا في بطون أمهاتهم قديسين..
مثال ذلك يوحنا المعمدان الذي قيل عنه: “ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس” (لو1: 15). والذي أحس بالمسيح في بطن مريم، فإرتكض يوحنا بابتهاج في بطن أمه فرحا بالمسيح (1: 43)..
ومثال ذلك أيضا أرميا النبي، الذي قال له الرب: “قبلما صورتك في البطن عرفتك. وقبلما خرجت من الرحم قدستك. جعلتك نبيا للشعوب” (أر 1: 5)
هذه عينات نادرة، مستوى عال وهبة من الله.
أما الأنبا أنطونيوس، فهو شاب ولد في أسرة عادية، غنية. ولكنه، وانتصر على عقبات كثيرة، حتى وصل.

هل تبحث عن  أستير رمز الكنيسة عتقت شعبها من الخطر

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي