+ يا الله، إلهي أنت؛ عطشت إليك نفسي
+ يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء (مزمور 63: 1)
* وشوق النفس هذا لا يرويه غير شخص الله وحده فقط، لأن الإنسان في تيهان قلبه عن الحق، يحفر لنفسه آباراً كثيرة لا تضبط ماء ولا تقدر أن ترويه بكونها مالحة تُسبب عطش أكبر وأعظم، لأنه تارة يبحث عن أعمال صالحة يصنعها أو شيءٌ من النسك الكثير أو القليل، أو يرتكز على الطقوس وغيرها من كل الممارسات الدينية الخارجية لكي يروي ظمأه من نحو الله الحي، أو يفتش عن إنسان يشبعه بالفكر الروحي أو اللاهوتي، ولكن هيهات أن ارتوى، لأنه يزداد جفاف أكثر ويسير في برية التيه، التي فيها لا يرى الله ولا يشعر بقربه، ويشتكي ويصرخ صرخة داخلية صامته: “من ينزل الله من سماء مجده إليَّ، أو من يرفعني إليه”، ومن ثمَّ يبحث عن وسيط ليُصالح بينه وبين الله، ولسان حاله يقول: “ليس بيننا مُصالح يضع يده على كلينا” (أيوب 9: 33)
*** ولنعلم أنه من المستحيل على الإنسان أن يرى الله إلا بعد صِدام المواجهة مع الواقع ليصل للقناعة الداخلية التامة أن كل سيره الطويل في البحث عن الأماكن الصالحة ليجد فيها آبار ماء حي لا تُجدي نفعاً وليست بذات قيمة على الإطلاق والمحصلة = صفر، وليس هناك من حل على الإطلاق سوى أن تجده الحياة نفسها وتلتقيه.
+ كما يشتاق الآيل إلى جداول المياه
+ هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله (مزمور 42: 1)
** لذلك فأن شفاء النفس الحقيقي والفعلي من المستحيل على الإطلاق أن يكون بطرق بشرية مهما كانت صحيحة، فمحاولة إدخال الفرح الكاذب بالإيحاءات أو الدراسات أو التسلية أو المسرات الجسدية أو كثرة الحديث أو كثرة الصداقات أو عن طريق المشورة أو التنمية البشرية، فهذه كلها تُزيد من هروب النفس واختفاؤها، ليبرز من بعدها الضيق والتعب والكآبة والحيرة بأشد مما كانت!!!
+++ ويفيدنا جداً معرفة أن علاقة النفس علاقة صحيحة بالله هي مصدر الحياة للإنسان وفرحه الدائم واستمرار حياته بهدوء وسلام في أشد الظروف إزعاجاً وضيقاً مهما ما كانت شدة الآلام، فنحن نحتاج – اليوم – لقوة جديدة، التي هي قوة المسيح القائم من الأموات، الذي هو أمس واليوم والغد بل وإلى الدهر، فليتنا اليوم وكل يوم نلمس بالإيمان شخصه لتخرج منه قوة ويقول من لمسني لأن قوة خرجت مني (لوقا 8: 46)
* فالعناية – يا إخوتي – بالنفس البشرية أولى من العناية بالجسد ألف مرة، فهي سرّ صحته وعافيته وحياته وقوته. فالنفس في الإنسان أعظم من جسده، بل والنفس بعلاقتها الوثيقة بالله أعظم من الذات التي تنتمي للجسد أي روح الكبرياء والتباهي بالأعمال: “ولكن بنعمة الله أنا ما أنا، ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي” (أنظر 1كورنثوس 15: 10)
الذي لا يهتم بنفسه ويوفر لها مطلبها الأساسي في امتدادها نحو خالقها الذي هو منتهى راحتها وصحتها، فإنه سيقع حتماً تحت عقوبتها، أي مرضها الروحي والنفسي، حتى يؤثر على الجسد نفسه بأمراض غريبة، فالنفس إن مرضت لا ترحم، ولا يعود للحياة كلها أي معنى بالنسبة للإنسان إن هي اعتزلت الحياة وأصابها اليأس والإحباط، لأن هذا كله يدفعها يا اما للجنون وعدم التعقل والشطط، يا أما لليأس المُدمر، حتى تتمنى الموت لأن ليس لها أي رجاء في الحياة الحاضرة ولا الآتية.
*** ولننبته في بساطة قلب لأن: (البسطاء يسمعون الكلمة ويعملون بها عن حب للحق وشوق في قلوبهم، فينالون من الله نعمة الروح؛ أما الحكماء الذين يسعون وراء بلاغة الكلام بلا حب للحق فإنهم يهربون… ولا يتقدمون) ((من عظة 43 عن النمو للقديس مقاريوس الكبير))
+ وحقاً طوبى للذي يعطش الآن لأنه زمان الملء، وطوبى لمن يشرب ويمتلئ كقول الروح: “من يعطش فليأتِ، ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجاناً” (رؤيا 22: 17)