«فَأقَامَ عِندَ نهْرِ كَرِيثَ …
وَكَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَانِ أَنَّ النهْرَ يَبِسَ»
( 1ملوك 17: 5 – 7)
لكي يكون إيليا آنية مُهيأة لخدمة السيد كان عليه أن يوجد مُنفردًا، يسير في طرق شاقة، ليتعلَّم ضعفه، وقوة الله. وكل خادم للرب لا بد له أن يمرّ على كريث، وصِرفة ليصل إلى الكرمل. يوسف مرّ على البئر التي طُرح فيها، والسجن الذي أُلقيَ فيه، قبل أن يكون ثاني فرعون. وموسى تدَرَّب وراء البرية أربعين سنة، ليُصبح قائدًا للشعب في البرية.
وربنا يسوع نفسه، أ لم يمكث أربعين يومًا في البرية يُجرَّب من الشيطان، وكان مع الوحوش قبل أن يخرج إلى خدمته الجهارية للناس؟ لكن لم يكن الغرض، كما هو معنا لإظهار ضعفنا وللتخلُّص من الثقة في ذواتنا، حاشا. بل كان الغرض لإعلان كمالاته المُطلَقة، وإثبات أهليته للعمل الذي لم يكن في قدرة غيره أن يُكمله. فالظروف التي كانت ضرورية لإعلان كمالات المسيح، هي لازمة لإظهار نقائصنا للحكم عليها في حضـرة الرب، فنصبح أواني صالحة للخدمة.
هذا هو الدرس الأول الذي كان إيليا في حاجة أن يتعلَّمه: «اخْتَبِئْ عِنْدَ نَهْرِ كَرِيثَ». أما الدرس الثاني الذي كان عليه أن يتعلَّمه فهو درس الاتكال على الله يومًا فيومًا، فالنهر والغربان كانت في خدمة إيليا، لكن ثقته كان ينبغي أن تكون في الله الغير منظور، وليس في الأشياء المنظورة.
«قَدْ أَمَرْتُ» هكذا قال الرب، والإيمان يستند على كلمة الرب. وكان عليه أيضًا أن يكون في المكان الذي أعدَّهُ له الرب «قَدْ أَمَرْتُ الْغِرْبَانَ أَنْ تَعُولَكَ هُنَاكَ». فلم يكن لإيليا أن يختار لنفسه المكان. والطاعة لكلمة الرب هي طريق البركة. لقد أطاع إيليا «فَانْطَلَقَ وَعَمِلَ حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ».
بقيَ درس آخر – درس صعب – كان على إيليا أن يتعلَّمَهُ من النهر الذي يَبس. لقد سبق الرب وقال له: «فَتَشْـرَبَ مِنَ النَّهْرِ»، وقد شرب فعلاً، لكن الآن النهر يبس، فهل كان إيليا مُخطئًا لمَّا أتى إلى النهر؟ كلا. لقد كان إيليا مُصيبًا فيما فعل، إذ كان مطيعًا للرب. لكن النهر يبس. هذا اختبار مؤلم بلا شك، لقد كان امتحانًا لإيمان إيليا الذي قال للملك: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ». فهل يبقى إيمانه بالله الحي قويًا مع جفاف النهر؟ نعم، ما دام الله حيًا فلا يهم إذا جف النهر، لأن الله أعظم من جميع المراحم، فالمراحم تُؤخذ أو تتوقف، لكن الله يبقى.