السجود العَطِر

السجود العَطِر


فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ مَنًا مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ،
وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ، وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا

( يوحنا 12: 3 )

في إنجيل آخر يُذكَر أن هذا الطيب كان محفوظًا في قارورة. ويُقال إن القارورة كانت مِن المرمَر. فالقارورة لها قيمتها المادية، كما أن لها دلالة روحية. أما أولاً فإن هذه القارورة كانت تَسَع ”مَنًا“ أي لترًا من الطيب. فيا للكمية! أما الطيب فهو ”ناردين خالص كثير الثمن“ فيا للنوعية! وقد ذُكر في سفر النشيد على لسان العروس: «ما دام الملك في مَجلِسِهِ أفاح نارديني رائحته»، وفي أصحاحنا نقرأ أن رائحة الطيب ملأت البيت (ع3). وفي الرابع من سفر النشيد يشيد العريس برائحة عروسه بالقول: «أثمار نفيسة فاغية وناردين. ناردين وكُركم. قصب الذريرة وقرفة، مع كل عود اللُّبان. مُر وعود مع كل أنفس الأطياب». فإذا كانت العروس تُقدِّم الناردين والملك في مجلسه، فإن الملك بدوره ينظر إلى عروسه كأنها ناردين. ويا له مِن تبادل مشترك بين تقدير العريس وتقييم العروس!

وثق يا عزيزي القارئ أن الأمر هكذا معك في سجودك لسَيِّدك الذي ليس فقط مَلكًا في نظر مريم بل هو المُخلِّص والمُحيي، مانح الحياة لمَن أنتن في القبر. وكان ناردين مريم ”خَالِصًا“ لم يقربه الغش، ولم يمتزج برائحة الذات. وتجدر الإشارة إلى إحدى لازمات الكهنة في أيام المُلك الألفي «لا يتنطَّقون بما يُعَرِّق» ( حز 44: 18 )، كالصوف مثلاً، بل يلبس كتانًا لا يُسبب العرق. والمعنى المقصود مِن ذلك، أن الخدمة الكهنوتية ينبغي أن تخلو من رائحة الجسد، أي الذات. وهكذا ينبغي أن يكون سجودنا ثمرة التفكير في الرب، وثمرة عمل الروح القدس في النفس. ومن عند قدميه – له المجد – فاحت رائحة الطيب حتى «امتلأ البيت من رائحة الطيب»، وهذا ما سجَّله يوحنا الذي امتلأت أنفه برائحة الطيب. وفي تشريف ابن الله ذلك البيت العتيق ملأ السحاب البيت، كما في يوم سليمان «لأن مجد الرب ملأ بيت الرب» ( 1مل 8: 11 ).

هل تبحث عن  من هو كاتب سفر عزرا

لو أن الناردين ظل حبيس القارورة المرمر دون أن يُسكب كله ليُطيِّب قلب الرب الذي قدَّرته مريم، مِن أين كانت تملأ رائحة الطيب البيت؟ أَ لسنا نعمل هذا تمامًا ونحن نُحيط بسَيِّدنا حيث يتصدَّر المائدة، ويقول لنا: «اصنعوا هذا لذكري»؟ أَ ليس الكثيرون منا يبقون صامتين وكأنه عزيز عليهم أن يكسروا القارورة؟ ومهما تكن قيمة القارورة المرمرية فهي لا تُقاس بالطيب.

ما دُمتَ في مجلسِكَ
فنارديني قد أفاحْ رائحةً زكيَّةً
لك يا منبعَ الصلاحْ .

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي