وفي الصبح باكراً جداً قام وخرج ومضى إلى
موضع خلاء وكان يصلي هناك
( مر 1: 35 )
..تعالوا أنتم منفردين ..
( مر 6: 31 )
في هذا العالم يُعتبر الانفراد بصفة عامة تعاسة؛ فالإنسان يخشى الحياة المنفردة، ويبحث عن الضوضاء والحركة واللهو، وذلك لأنه يخاف فوق كل شيء الانفراد مع الله. ولم يُخلق الإنسان ليكون وحيداً. فالعائلة والمجتمع والتعاون الذي تتيحه هو بحسب ترتيب الله. ولكن يجب أن يكون الشخص منفرداً ليسمع صوت الله. إن الإنسان يجد الخلاص وهو منفرد عند قدمي المخلص. ونحن عندما نوجد عند قدمي السيد، نتلقى التعليم ونحكم على أنفسنا ونستنير في أعماق قلوبنا. فالتعزية الحقيقية والقوة الحقيقية أيضاً نجدهما عندما نكون منفردين عند قدميه.
ويمكن لنا أن نميز نوعين من الوحدة:
أولاً: الوحدة التي تفرضها علينا الظروف: ففي طريق الحياة كثيراً ما نُدعى لأن نسير منفردين معنوياً. لا شك أنه امتياز أن يكون لنا صديق أو زوج أو شخص يعيننا في الطريق. ولكن إن كان الرب يدعونا لنسير بمفردنا، فذلك لكي يعلمنا أن نعتمد عليه هو فقط، ولكي نعرفه معرفة أفضل وندخل بصورة أفضل إلى العلاقة الودّية معه. فإبراهيم حصل على أعظم البركات بعد موت أبيه وانفصاله عن لوط. والرب يسوع نفسه شعر بصفة خاصة بهذه الوحدة الأدبية إذ لم يكن الناس يفهمونه هنا على الأرض، ولكنه كان يتمتع إلى مدى لا حد له بالشركة مع أبيه.
والله كثيراً ما يجيز في وقت انفراد خاص أولئك الذين يريد أن يعدهم لخدمته. فموسى كان أربعين سنة في البرية ليرعى الغنم. وإيليا قضى ثلاث سنين وستة أشهر عند نهر كريث وفي صرفة. وفي هذه الوحدة تتعلم النفس أن تعرف ذاتها وأن تعرف الله، وبذلك تتغذى لتستطيع بعد ذلك أن تأتي بماء الحياة للآخرين.
ثانياً: الوحدة الإرادية مع الرب: وهي ضرورية لنجاح نفوسنا. فيجب أن نأخذ الوقت اللازم لنكون منفردين معه عند قدميه لنستمع إليه ولنصلي إليه. ولكن الانفراد له مخاطره، فالأفكار الشريرة كثيراً ما تكون لها قوة أكثر عندما نكون وحدنا دون أن نتحقق حضور الرب. إن الانفراد يقود إلى تنمية الأنانية والانشغال الزائد بالذات. ولتجنب ذلك يلزم الشعور بحضور الله الذي نحظى به خصوصاً في الصلاة، وحينئذ يكون الانفراد به في القلب.