وعبدي البار بمعرفته يُبرر كثيرين،
وآثامهم هو يحملها …
وهو حَمَل خطية كثيرين وشفع في المُذنبين
( إش 53: 11 ، 12)
لقد كان المسيح هو الشخص الوحيد الذي لم يَقُل قط: ”يا أبتاه اغفر لي“. فهو ـ تبارك اسمه ـ لم يكن محتاجًا أن يقول ذلك، لأنه البار الوحيد الذي عاش على الأرض، والوحيد الذي لم يعرف خطية. وكونه البار جعله مؤهلاً لأن يكون الشفيع الذي يتوسل لأجل المُذنبين. فما كان يصلح أن يتشفَّع مُذنبٌ.
وفي إشعياء53، قبل أن يحدثنا عن شفاعته في المُذنبين، يقول: «وعبدي البار بمعرفته يُبرر كثيرين»، فشفاعته في المُذنبين مبنية على أساس مبدئي من بره الشخصي.
لكن هناك شيئًا آخر هامًا ليمكنه أن يكون الشفيع. فالرب لما كان على الأرض لم يَقُل ولا مرة واحدة ”يا أبتاه، اغفر لهم“، إذ كان هو نفسه يغفر الخطايا بسلطانه. حدث هذا في حياته على الأقل مرتين: المرة الأولى مع المرأة الخاطئة في لوقا7، والمرة الثانية مع الرجل المفلوج في مرقس2. في المرتين اعتبروه مُجدفًا لأنهم قالوا: «مَن يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده؟»، وهي ملاحظة في محلها، ولكن ما بنوه عليها من استنتاج كان خاطئًا تمامًا. فصحيح أنه لا يقدر أحد أن يغفر الخطايا إلا الله، لكن مشكلتهم أنهم لم يروا فيه عمانوئيل «الله معنا»، فاستنتجوا أنه مُضِلٌّ ومُجدِّف، وكان استنتاجهم هو التجديف وهو الضلال.
ونلاحظ أن المسيح لما غفر خطايا المفلوج علَّق على هذا بالقول: «لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا» ( مر 2: 10 ). نعم، لما كان على الأرض كان له السلطان أن يغفر الخطايا. أما وقد ارتفع عن الأرض بالصليب، فإنه كان يدفع حساب الخطايا. لهذا فإنه لم يَقُل على الصليب ”أنا أغفر لكم“، بل قال: «يا أبتاه، اغفر لهم». لقد كان المسيح في ذلك الوقت مُمثلاً للبشرية، وكان آخذًا مكان البشر الآثمين. فكأن المسيح وهو على الصليب يقول للآب: ”اغفر لهم وأنا مستعد لدفع الحساب، إن ظلمهم الذي ظلموه، والدين الذي عليهم، احسبه عليَّ وأنا أوفي“ (قارن فل18، 19).
إذًا فهناك شرطان ليكون الشخص شفيع الخطاة: أولاً أن يكون هو بارًا، وثانيًا أن يتحمل أجرة خطاياهم وقصاصها. وهو عين ما نقرأه في إشعياء53: 11، 12 «وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين» ثم «وآثامهم هو يحملها»، ومن ثم أمكنه أن يقول في النهاية «شفع في المُذنبين».