وَالنَّاسُ يَمْشُونَ عَلَيْها وَلا يَعْلَمُون
إنجيل القدّيس لوقا 11 / 37 – 48 فيمَا يَسُوعُ يَتَكَلَّم، سَأَلَهُ فَرِّيسيٌّ أَنْ يَتَغَدَّى عِنْدَهُ. فَدَخَلَ وَٱتَّكأ.
وَرَأَى الفَرِّيسِيُّ أَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَغْتَسِلْ قَبْلَ الغَدَاء، فَتَعَجَّب.
فَقَالَ لَهُ الرَّبّ: «أَنْتُمُ الآن، أيُّها الفَرِّيسِيُّون، تُطَهِّرُونَ خَارِجَ الكَأْسِ وَالوِعَاء، ودَاخِلُكُم مَمْلُوءٌ نَهْبًا وَشَرًّا.
أَيُّها الجُهَّال، أَلَيْسَ الَّذي صَنَعَ الخَارِجَ قَدْ صَنَعَ الدَّاخِلَ أَيْضًا؟
أَلا تَصَدَّقُوا بِمَا في دَاخِلِ الكَأْسِ وَالوِعَاء، فَيَكُونَ لَكُم كُلُّ شَيءٍ طَاهِرًا.
لَكِنِ ٱلوَيْلُ لَكُم، أَيُّها الفَرِّيسِيُّون! لأَنَّكُم تُؤَدُّونَ عُشُورَ النَّعْنَعِ وَالسَّذَابِ وَكُلِّ البُقُول، وَتُهْمِلُونَ العَدْلَ وَمَحَبَّةَ ٱلله. وَكانَ عَلَيْكُم أَنْ تَعْمَلُوا بِهذِهِ وَلا تُهْمِلُوا تِلْكَ.
أَلوَيْلُ لَكُم، أَيُّهَا الفَرِّيسِيُّون! يَا مَنْ تُحِبُّونَ صُدُورَ المَجَالِسِ في المَجَامِع، وَالتَّحِيَّاتِ في السَّاحَات.
أَلوَيْلُ لَكُم، لأَنَّكُم مِثْلُ القُبُورِ المَخْفِيَّة، وَالنَّاسُ يَمْشُونَ عَلَيْها وَلا يَعْلَمُون».
فَأَجَابَ وَاحِدٌ مِنْ عُلَمَاءِ التَّوْرَاةِ وَقَالَ لَهُ: «يا مُعَلِّم، بِقَوْلِكَ هذَا، تَشْتُمُنا نَحْنُ أَيْضًا».
فَقَال: «أَلوَيْلُ لَكُم، أَنْتُم أَيْضًا، يا عُلَمَاءَ التَّوْرَاة! لأَنَّكُم تُحَمِّلُونَ النَّاسَ أَحْمَالاً مُرهِقَة، وَأَنْتُم لا تَمَسُّونَ هذِهِ الأَحْمَالَ بِإِحْدَى أَصَابِعِكُم.
أَلوَيْلُ لَكُم! لأَنَّكُم تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاء، وَآبَاؤُكُم هُمُ الَّذِينَ قَتَلُوهُم.
فَأَنْتُم إِذًا شُهُود! وَتُوَافِقُونَ عَلَى أَعْمَالِ آبَائِكُم، لأَنَّهُم هُمْ قَتَلُوهُم وَأَنْتُم تَبْنُونَ قُبُورَهُم.
التأمل:أَلوَيْلُ لَكُم، لأَنَّكُم مِثْلُ القُبُورِ المَخْفِيَّة، وَالنَّاسُ يَمْشُونَ عَلَيْها وَلا يَعْلَمُون…».
صحيح ان الانسان هو سيّد المخلوقات على الإطلاق، فهو الوحيد من بين كل ما في الوجود على صورة الله ومثاله.. ولكنه قد يكون الوحيد الذي يستطيع خداع نفسه والاخرين..
لا يوجد مخلوق يضاهي الانسان في إتقان الخداع والتمثيل.. والتنكر لطبيعته الجميلة.. اذ أنه بالرغم من كل الجمالات التي يتنعم بها الانسان، وبالرغم من كل تفوقه العقلي والفكري والإبداعي الا انه هو الصانع الاول للشرور والحروب وتجارة الموت واستعباد بني جنسه.. لانه يهتم بالخارج أكثر من الداخل.. يعتني بالظاهر على حساب الجوهر.. يتكبر على كل المخلوقات حتى على الخالق..
لا يوجد مخلوق مفترس على الأرض يضاهي الإنسان إجراماً في حق بني جنسه، لا يرتكب المجازر سوى الانسان، ولا يتقن الطعن والنحر والاغتيال سوى الإنسان، ولا يتفنن أي مخلوق في صناعة الأسلحة مثل الإنسان لدرجة أنه صنع بيديه أسلحة الدمار الشامل لكل بني جنسه ولكل المخلوقات.
كل المخلوقات تعيش مع بني جنسها وبحسب أنواعها متضامنة الى حد كبير، تأكل وتشبع مع بعضها وتشارك بعضها باتحاد كلي لمواجهة أي خطر خارجي.
قتل الانسان بيده أخيه الانسان منذ قايين وهابيل، هذا الإجرام لا نجده عند باقي المخلوقات.
استعبد الإنسان أخيه الإنسان لمصلحته الشخصية، أجبره على العمل دون أجر عادل، إغتصب حريته، صادر قراره، إحتلّ أرضه، وسرق مقتنياته وتعب يديه، كل ذلك لا نجده عند باقي المخلوقات لا في مملكة النحل ولا النمل ولا الاسود ولا الضباع!!!
إغتنى الإنسان على حساب فقر بني جنسه، سكن القصور وغيره خيم التنك أو العراء، إكتنز الذهب والفضة والنقود على أنواعها مستغلاً أخيه الإنسان في عوزه ولقمة عيشه، الأمر الذي لا نجد مثيلاً له عند باقي المخلوقات التي تأكل وتشبع وتحيا مع بعضها أو تجوع وتموت مع بعضها، فلا نجد فيلاً واحداً يملك طعاماً أكثر من غيره أو أسداً يمتلك أرضاً في أي غابة أكثر من باقي الاسود!!!
غريبٌ أمر الإنسان صنع السمّ بنفسه والأمراض بنفسه والفقر بنفسه والمجاعات والحروب والمجازر والأوبئة القاتلة بنفسه!!! فئة من الناس تصنع الأمراض وغيرها يصنع الدواء…
فئة من الناس تصنع الشر والموت وغيرها يصنع السلام والعدل والرحمة…
فئة تقبض حتى الأرواح وأخرى تفدي المظلوم بأرواحها…
فئة تنهب خيور الدنيا وتستغل كل شيء لإرضاء جشعها وطمعها وغريزتها وفئة تشارك غيرها خيرات الارض والسماء…
فئة قليلة جداً تبلغ أقل من واحد بالمئة من البشر تملك أكثر من تسعين بالمئة من الثروات وفئة أخرى قليلة أيضاً تنشر العدل والرحمة ومحبة الله…
لم يعنّف يسوع أحداً مثل”الفريسيين” و”علماء” التوراة.. لأنهم يُتقنون “الكذب”.. يقتلون “الإلهام” عند غيرهم ولا “يُلهمون” أحداً على “تصميمٍ” جديد لحياة أفضل…
ربما حان الوقت لنقلع عن مرض “الفريسية” وآفة “علماء التوراة”.. حان الوقت لنتوقف عن قتل “الإلهامات” وإطفاء شعلة ” النبوؤات” كي لا يضطر أبناؤنا الى بناء قبورٍ لها..
حان الوقت لإطلاق موجة من الإنسانية تجتاح العالم بأسره، موجة حب تشعل القلوب وتوقف الحروب، موجة سلام تعيد الإنسان الى جوهره الأول أنه على صورة الله ومثاله في صنع الخير وبناء الرحمة. آمين