تأملات في كلمة الله غذاء للحياة اليومية
وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا: إِنَّ مُرُورَ جَمَل مِنْ ثَقْب إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!”. (مت ١٩ : ٢٤)
هذا المثل الذي قاله الرب يسوع إنما يدل على إستحالة دخول الغني ملكوت الله وفي كل تاريخ المسيحية غالباً ما نرى أن الفقراء بالمال في هذا العالم هم الذين كانوا أغنياء بالإيمان، {اسْمَعُوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ: أَمَا اخْتَارَ اللهُ فُقَرَاءَ هذَا الْعَالَمِ أَغْنِيَاءَ فِي الإِيمَانِ، وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ؟} (يع ٢ : ٥)
ويعسر أن يدخل غنيّ إلى ملكوت الله لأنه غالبًا ما يصبح الغنى صَنمًا في حياة الغني لأنّه من الصعب امتلاك المال بغير الاتكال عليه {“لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ.} (مت ٦ : ٢٤)
وغالبا مايأتي الغنى من محبة المال {لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ.} (١تيمو ٦ : ١٠) فمحبة المال (محبة جمع المال) تجُر إلى شرور كثيرة شر وراء شر. في سبيل محبة المال قد يكذب الشخص وقد يغش ويضغط على ضميره إلى غير ذلك من الشرور.
ويوجد بعض النماذج في حياتنا هذه، من يتكلم عن الأمور الروحية ويكون غني ومظاهرالترف لا تفارقه أبداً ولا يتكلم بالأمور الروحية كذلك إلا مع من كان على شاكلته من الأغنياء، ظناً منه أنه ربح الدنيا والأخرة!.
ويوجد أيضاً من يكون ذو أموال طائلة ولكن لا يعترف بنفسه أنه غني! حيث عندما يقارن نفسه مثلاً بمالك أكبر شركة تأمين بالعالم، فيظن نفسه فقيراً أمامه ولكنه غني بالنسبة لمجتمعه، بذلك لا يعترف بأنه غني، لعدم تقديره الصحيح لمعايير الغنى من شدة حبه للمال.
ويوجد من أصبح غني مادياً من التجارة بالدين فالكثير من الكنائس تفتقر للروح القدس وأصبحت بيت تجارة ومغارة لصوص.
وينطبق على هؤلاء جميعا قول الإنجيل {…أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ.} (رؤ ٣ : ١)
الرب يحب الفقراء وقارن نفسه بهم {تُصَدِّقُ مِنْ مَالِكَ وَ لا تُحَوِّلْ وَجْهَكَ عَنْ فَقِيْرٍ وَ حِيْنَئِذٍ فَوَجَّهَ الْرَّبُّ لا يَحُوْلُ عَنْكَ} (طو ٤ : ٧)
{لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ.} (مت ٢٦ : ١١)
{قَالَ لَهُ يَسُوعُ:”إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي”.} (مت ١٩ : ٢١)
{حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟، فَيُجِيبُهُمْ قِائِلاً: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. (مت 25 : 44-45)
نجد أن الغني عندما تصادقه أي ضائقة صغيرة كانت أم كبيرة يُسرع إلى السيِّد المال الذي يخدمه ليحل له مشكلته ولا يلتجئ إلى الرب إلى عندما يعجز المال عن حل مشكلته!، بينما الفقير يصرخ للرب دائماً ليس لديه سوى الصلاة للرب المعين له، {أَمَّا أَنَا فَمِسْكِينٌ وَفَقِيرٌ. اَللَّهُمَّ، أَسْرِعْ إِلَيَّ. مُعِينِي وَمُنْقِذِي أَنْتَ. يَا رَبُّ، لاَ تَبْطُؤْ.} (مز ٧٠ : ٥)
{لأَنَّهُ يُنَجِّي الْفَقِيرَ الْمُسْتَغِيثَ، وَالْمَِسْكِينَ إِذْ لاَ مُعِينَ لَهُ.} (مز ٧٢ : ١٢)
نلاحظ أن الرب يسوع امتدح الأرملة الفقيرة (مر ١٢ : ٤٢) وتقول لنا كلمة الله أن المؤمن الفقير خيراً عند الله من الغني:
{وَ لا تَخَفْ يَا وَلَدِيَ فَانّا نَعِيْشُ عِيْشَةَ الْفُقَرَاءِ وَ لَكِنْ سَيَكُوْنُ لَنَا خَيْرٌ كَثِيْرَ اذَا اتَّقَيْنَا الْلَّهِ وَ ابْتَعَدْنَا عَنْ كُلِّ خَطِيْئَةٍ وَ فِعْلُنَا خَيْرا }(طو ٤ : ٢٣)
{زِينَةُ الإِنْسَانِ مَعْرُوفَهُ، وَالْفَقِيرُ خَيْرٌ مِنَ الْكَذُوبِ.} (أم ١٩ : ٢٢)
{اَلْفَقِيرُ السَّالِكُ بِاسْتِقَامَتِهِ، خَيْرٌ مِنْ مُعْوَجِّ الطُّرُقِ وَهُوَ غَنِيٌّ.} (أم ٢٨ : ٦)
أما المؤمن الغني فيعوزه شيء واحد كما قال الرب {فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ:”يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ”.} (مر ١٠ : ٢١)
خادم الرب الأخ حبيب