أع 27 : 1-20
(ع 1-13 تحذير بولس )
يستعرض الإنجيلي لوقا رحلة السجين بولس، لا ليكشف عن مدى المخاطر التي تعرض لها فحسب, وإنما بالحري يكشف عن شخصية الرسول بولس الأسير القائد. فقد حُمل مع الأسرى تحت حراسة مشددة من الجنود وقائد المئة. لكن الرسول لم يشعر إنه سجين في مذلةٍ, بل سفير المسيح يشهد له أمام جميع الذين في السفينة.
( ع 9 ) “وقت الصوم قد مضى” هو اصطلاح يفيد بأن هذا الميعاد من السنة لا يُبحر فيه، ولا يُستحب فيه السفر مهما كان السبب. فقد كان بدء شهر أكتوبر، وكل الرحالة يؤكدون أن الإبحار في ذلك الوقت مجازفة خطيرة.ولكن واضح أنهم إذ بدأوا الرحلة كان الكل يترجى وصولهم إلى روما قبل موسم الإبحار الخطر في البحر المتوسط، لكن لم يتحقق ذلك.
كان القديس بولس صاحب خبرة في الرحلات البحرية، وقد ذكر من بين آلامه أنه انكسرت به السفينة ثلاث مرات (2 كو 11: 25). هذا ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الرسول وهو تحت قيادة الروح القدس أدرك ما سيحل بالسفينة بإعلان الروح له… لهذا اخذ بولس يحذرهم من السفر في هذا الوقت لأن في ذلك خطر علي الجميع وعلي البضائع المحملة لروما أيضاً .
حسب قائد المائة إن ربان السفينة ومالكها، وكلاهما صاحبا خبرة في البحار، ويهمهما سلامة السفينة والشحن، أكثر خبرة من بولس، فمال إلى رأيهما. كان القائد مترفقًا بالرسول بولس، وربما كان معجبًا به لكنه لم يأخذ بمشورته.
+ يرسل الله لنا رايه كثيرا , ولكننا ناخذ براى العالم ونرفض راى الله ونستخف به, وتكون النتائج خطيرة برهانا على خطا تصرفنا. فلا نعتد صوت الله الذى نسمعه فى الكنيسه ومن اب اعترافك والمرشديين الروحيين ,ولا تندفع فى قراراتك واطلب ارشاد الله حتى لا تتعرض للمخاطر.
( ع 14-20 وسط البحر الهائج)
فجأة تحولت نسمات الريح الهادئة القادمة من الجنوب إلى ريح عاصفة مضادة للرحلة تدعى أوروكليدون. وهي تشبه الأعاصير حيث تهب الريح من كل جانب، فتصير السفينة كما في دوامة في مهب رياح من كل اتجاه
اختطفت الريح السفينة، ولم تعد تحت سيطرة الملاحين. صارت السفينة أشبه بكرة في يد النوء العنيف تتخبط، فقدت توازنها وأصبح لا يمكن توجيهها. توقف البحارة تمامًا عن أية محاولة للسيطرة على الموقف، وسلم كل الحاضرين حياتهم كما في يد ريح لا ترحم، أما بولس الرسول فباسم كل الذين في السفينة سلم الأمر بين يدي الله، فأدرك أن الكل محمولون على الأذرع الأبدية.
في الغد صاروا يلقون بكل البضائع، خاصة القمح، في البحر، فقد أدركوا أن المال لن ينقذهم، وأنه يمثل ثقلاً في سفينة الحياة تبلغ بها إلى الغرق في مياه هذا العالم. وكما يقول الحكيم: “ثروة مصونة لصاحبها لضرره” (جا 5: 13).
يا للعجب! ما أسهل على أهل العالم أن يلقوا في البحر كل ما لديهم لكي ينجوا بحياتهم الزمنية، بينما يستصعبوا جدًا أن يقدم نصيبًا بسيطًا مما لديهم لإخوتهن الفقراء والمحتاجين لأجل حياتهم الأبدية. أما من يتطلع إلى بلوغ الأبدية بأمجادها، فلا ينشغلون بما للعالم، بل كما كتب القديس بولس: “قبلتم سلب أموالكم بفرح، عالمين في أنفسكم أن لكم مالاً أفضل في السماوات وباقيًا” (عب 10: 34).
أي إنسان عاقل يحطم السفينة بما عليها لينجو بحياته، لكن كثيرين يفضلون تحطيم سفينة إيمانهم وضميرهم الصالح من أجل أمور زمنية.
في وسط النوء الشديد قام النوتية بتخفيف أحمال السفينة بإلقاء الشحن في المياه حتى ينجو هم ومن معهم. وهكذا في وسط نوء هذا العالم يلزمنا أن نخفف أثقالنا وارتباكاتنا حتى يصير الإنسان خفيفًا كطائرٍ يسبح في الجو، ولا يُقال عنهم ما قيل عن فرعون وجنوده “غاصوا كالرصاص في مياه غامرة” (خر 15: 10)
مما زاد الحال سوء أنه قد خيم عليهم الظلام، فلم يعرفوا نهارهم من ليلهم إلى أيام كثيرة، حيث لم تظهر الشمس نهارًا ولا النجوم ليلاً، بهذا فقد البحارة إدراكهم لحقيقة موقعهم، والتعرف على الاتجاهات، ليسلكوا الطريق الآمن.
هذا هو حال النفس التي تفقد رؤيتها للسيد المسيح، شمس البرّ، فلا تتمتع بنوره، ولا يحل بها نهار لتصير ابنة النهار. وأيضًا حين فقد رؤيتها لأولاد الله الحقيقيين كنجوم متلألئة، فلا تجد أمامها أمثلة حية في الإيمان تقتدي بها. هنا يصير الموقف في غاية الخطورة، حيث لا يدرك الإنسان بنور الروح القدس حقيقة نفسه، ولا موقعه، ولا يرى نور مخلصه، ولا جمال الكنيسة وبهاء قديسيها.
هذا الموقف الخطير حطم نفسية البحارة، فقد عكست الظلمة الخارجية عليهم ظلمة داخلية مهلكة، إذ حلت بهم ظلمة اليأس وانقطع عنهم نور الرجاء “انتزع أخيرًا كل رجاء في نجاتنا”. تسلل إليهم أخطر عدو يحطم حياة الإنسان في هذا العالم ويفقده أبديته ألا وهو اليأس، فإنه حين يدخل تدخل معه بقية الخطايا وتجد الشياطين لها عرشًا في القلب تتربع فيه.