طوبى للرحماء فإنهم يرحمون
بعد أن طوّب السيد المسيح الجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون قال “طوبى للرحماء فإنهم يرحمون” (مت5: 7).
الرحمة
الرحمة صفة من صفات الله الرحيم كما هو مكتوب عنه: “الرب الرب إله رحيم ورؤوف، بطئ الغضب وكثير الإحسان والوفاء” (خر34: 6).
“الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة. لا يحاكم إلى الأبد ولا يحقد إلى الدهر. لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا. لأنه مثل ارتفاع السماوات فوق الأرض قويت رحمته على خائفيه. كبعد المشرق عن المغرب أبعد عنّا معاصينا. كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه” (مز103: 8-13).
“لأن الرب إلهك إله رحيم لا يتركك ولا يهملك ولا ينسى عهد أبائك الذي أقسم لهم عليه” (تث4: 31).
“وأنت أيها الرب الإله، أنترؤوفورحيم. أنت طويل الروح وكثير الرحمة وصادق. انظر إلىّ وارحمني. أعط عزّة لعبدك، وخلِّص ابن أمتك” (مز85: 15، 16).
“الرب رحيمٌ وصدّيقٌ، وإلهنا يرحم. الذي يحفظ الأطفال هو الرب. اتضعت فخلصني” (مز114: 5، 6).
“جلال وبهاء عمله، وعدله دائم إلى أبد الأبد. ذكر جميع عجائبه. رحيم هو الربورؤوف” (مز110: 3، 4).
“نور أشرق في الظلمة للمستقيمين. رحيمٌ الرب الله ورؤوف وبار” (مز111: 4).
“الرب حنان ورحيم طويل الروح وكثير الرحمة. الرب صالح للكل ومراحمه على كل أعماله” (مز145: 8، 9).
“من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء لكي يكون رحيمًا ورئيس كهنة أمينًا فيما لله حتى يكفر خطايا الشعب” (عب2: 17).
والرحمة عند الله لا تتعارض مع عدله وحقه، لأن الله رحيم في عدله وعادل في رحمته. فصفات الله كلُّ لا يتجزأ. ونحن نتكلم عنها على سبيل التفاصيل وليس على سبيل الفصل، كما قال قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الرب حياة قداسته.
لهذا كما أوردنا قول المزمور “عدله دائمإلى الأبد.. رحيم هو الرب ورؤوف” (مز110: 3، 4).
وقيل أيضًا عن الخلاص العجيب الذي صنعه الرب على الصليب، “لأن خلاصه قريب من جميع خائفيه. ليسكن المجد في أرضنا. الرحمة والحق تلاقيا. والعدل والسلام تلاثما. الحق من الأرض أشرق، والعدل من السماء تطلع” (مز84: 9-11).
وعن تلازم الرحمة والحق قيل “لا تدع الرحمة والحق يتركانك. تقلدهما على عنقك. أكتبهما على لوح قلبك فتجد نعمة وفطنة صالحة في أعين الله والناس” (أم3: 3، 4). وقيل أيضًا “أما يضل مخترعو الشر. أما الرحمة والحق فيهديان مخترعي الخير” (أم14: 22)،وأيضًا “بالرحمة والحق يستر الإثم وفي مخافة الرب الحيدان عن الشر” (أم16: 6). وعن الملك قيل “الرحمة والحق يحفظان الملك وكرسيه يُسند بالرحمة” (أم20: 28)، وكذلك قيل عن تلازم العدل والرحمة “التابع العدل والرحمة يجد حياة حظًا وكرامة” (أم21: 21).
وهذه نصيحة ثمينة يقدّمها الكتاب: “قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح. وماذا يطلبه منك الرب إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعًا مع إلهك” (مي 6: 8).
فكما أن الرحمة هي صفة من صفات الله، ينبغي أيضًا أن يتصف بها أولاده كما قال السيد المسيح: “فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضًا رحيم” (لو6: 36).
الرحمة تقترن بالعطف والحنان والرأفة وطول الروح وتدل على المحبة وطيبة القلب.
ونحن في صلواتنا الكنسية نطلب الرحمة باستمرار قائلين: [يا رب ارحم أو كيرياليسون]. كذلك عندما نتذكر الدينونة الأبدية نصرخ قائلين: [كرحمتك يا رب ولا كخطايانا].
الرحمة تطرد القساوة من القلب، وتجعل الإنسان مستحقًا لمراحم الرب الكثيرة والفائقة.
وينبغي أن يتدرب الإنسان على ممارسة أعمال الرحمة المتنوعة متذكرًا تطويب الرب للرحماء. ولا يمكن أن ينتظر الإنسان أن يعامله الرب برحمة إن لم يرحم غيره ويرحم المساكين والضعفاء (فإنه ليس رحمة في الدينونة لمن لم يستعمل الرحمة) (قطع نصف الليل-الخدمة الثالثة).
مثل السامري الصالح
سأل رجل ناموسي السيد المسيح: “من هو قريبي؟” فحكى له السيد المسيح قصة السامري الصالح الذي صادف رجلًا يهوديًا “كان نازلًا من أورشليم إلى أريحا فوقع بين لصوص فعرّوه وجرّحوه، ومضوا وتركوه بين حيٌ وميتٌ.. ولكن سامريًا مسافرًا جاء إليه ولما رآه تحنن. فتقدم وضمد جراحاته وصب عليها زيتًا وخمرًا وأركبه على دابته وأتى به إلى فندق واعتنى به”.. وسأل السيد المسيح الرجل الناموسي عمن صادفوا الرجل المجروح “أي هؤلاء.. ترى صار قريبًا للذي وقع بين اللصوص؟ فقال (الناموسي): الذي صنع معه الرحمة. فقال له يسوع: اذهب أنت أيضًا واصنع هكذا” (انظر لو10: 29-37).
وقد أشار الكتاب إلى أهمية الرحمة بالمساكين لكي ينال الإنسان رحمة وغفرانًا عن خطاياه لسبب ممارسته للرحمة ودخوله في مراحم الرب.
فقيل في سفر دانيال للملك بلطشاصر “لذلك أيها الملك فلتكن مشورتي مقبولة لديك وفارق خطاياك بالبر وآثامك بالرحمة للمساكين لعله يطال اطمئنانك” (دا4: 27). وبالطبع من المفهوم أن غفران الخطايا يلزمه توبة ولكن التوبة لا تصير مقبولة إذا كان القلب قاسيًا وغير رحيم، لأن الرب يستخدم الرحمة مع القلوب الرحيمة.
الرحمة بالمساكين
في الصوم الكبير المقدس تبدأ قراءات الكنيسة في أحد الرفاع بفصل من الإنجيل عن الصلاة والصدقة والصوم، يبرز فيه أهمية اقتران الصوم بالصلاة وبالرحمة بالمحتاجين والمتضايقين.
ولذلك ترتل الكنيسة في ألحان الصوم الكبير طوال الصوم الكلمات التالية:
طوبى للرحماء على المساكين فإن الرحمة تحل عليهم
والمسيح يرحمهم في يوم الدين ويحل بروح قدسه فيهم
هناك أناسًا يصومون أصوامًا عنيفة ولا يتذكّرون أن الصوم هو فرصة لمشاركة المساكين وللتحنن عليهم. الصوم يقترن بالمسكنة والاتضاع والتوبة والصلاة والرحمة لهذا قال الرب في سفر إشعياء: “أليس هذا صومًا أختاره؟.. أليس أن تكسر للجائع خبزك. وأن تُدخل المساكين التائهين إلى بيتك. إذا رأيت عريانًا أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك” (إش58: 6، 7).
من الواضح أن الصوم المقبول من الله هو الذي يقترن بالرحمة على الضعفاء والمساكين. وقد وردت إنذارات في الكتاب المقدس للأغنياء الذين لا يستعملون الرحمة مع المحتاجين مثل قول يعقوب الرسول: “هلّم الآن أيها الأغنياء ابكوا مولولين على شقاوتكم القادمة. غناكم قد تهرأ وثيابكم قد أكلها العث. ذهبكم وفضتكم قد صدئا، وصدأهما يكون شهادة عليكم. ويأكل لحومكم كنار. قد كنزتم في الأيام الأخيرة. هوذا أجرة الفعلة الذين حصدوا حقولكم المبخوسة منكم تصرخ وصياح الحصادين قد دخل إلى أذنيّ رب الجنود. قد ترفهتم على الأرض وتنعمتم، وربيتم قلوبكم كما في يوم الذبح” (يع5: 1-5).
ما أصدق قول داود النبي في كلام النشيد الذي قال للرب: “مع الرحيم تكون رحيمًا. مع الرجل الكامل تكون كاملًا. مع الطاهر تكون طاهرًا، ومع الأعوج تكون ملتويًا. وتخلص الشعب البائس وعيناك على المترفعين فتضعهم” (2صم22: 26-28).