ما هو مفهوم الموت في الكتاب المقدس؟ (يوحنا 11: 10-33)

ما هو مفهوم الموت في الكتاب المقدس؟ (يوحنا 11: 10-33)

الموت جزء من واقع الحياة، فهو علامة توقف وجود الإنسان في الظروف الجسدية. وبمفهوم يسوع ينقسم الموت الى ما يصيب الجسد فقط دون النفس والى ما يصيبهما معا “لا تَخافوا الَّذينَ يَقتُلونَ الجَسد ولا يَستَطيعونَ قَتلَ النَّفْس، بل خافوا الَّذي يَقدِرُ على أَن يُهلِكَ النَّفْسَ والجَسدَ جَميعاً في جَهنَّم” (متى 10: 28). لذلك تدعى حالة الاستلام للخطيئة موتا “أَنتُم، وقَد كُنتُم أَمواتًا بِزَلاَّتِكم وخَطاياكُمُ” (أفسس 2: 1) ويدعى أيضا هلاك النفس موتا “فاعلَموا أَنَّ مَن رَدَّ خاطِئًا عن طريقِ ضلالِه خَلَّصَ نَفْسَه مِنَ المَوت وسَتَرَ كَثيرًا مِنَ الخَطايا”(يعقوب 5: 20).

وتروي معجزة إحياء لعازر خبرات مريم ومرتا ويسوع في الموت. وتبدأ بمواجهة خبرة موت عازر، موت اخ مريم ومرتا، موت صديق ليسوع. إن لَعازَر الميت ” لم يعد له وجود بعد” (مزمور 39: 15). وما يجري بعد الموت يُخفى عن أعين الأحياء، حيث انه عندما يُوضع الجسد في حفرة تحت الأرض، يظل شيء ما من المتوفى، وهو القبر بمثابة أثر له باق على شكل حفرة فاغرة، وكأنه موضع صمت كما يقول صاحب المزامير ” لَيسَ الأَمْواتُ يُسَبِّحونَ الرَّبّ ولا جَميعُ الهابِطينَ إلى الصَّمت ” (مزمور 115: 17)، وموضع ظلمات ونسيان كما يصرّح صاحب المزامير “أَفي القبر ِيُحَدَّثُ بِرَحمَتِكَ وفي الهاوِيَةِ بِأَمانَتِكَ؟ أَفي الظُّلمَةِ نُعرَفُ عَجائِبُكَ وفي أَرضِ النِّسْيانِ بِرّكَ؟ (مزمور 88: 12-13)، يُسلم الإنسان إلى التراب (أيوب 17: 16)، والى الدود (أشعيا 14: 11،)، بحيث لم يعد وجوده إلا سبات بحيث يتوسل صاحب المزامير من الله ان ينقذه منه ” أُنظُرْ واْستَجِبْ لي أَيُّها الرَّبّ إِلهي وأَنِرْ عَيَنيَّ لِئَلاَّ أَنامَ نَومةَ المَوت” (مزمور 13: 4).

هل تبحث عن  الإبركسيس فصل من أعمال آبائنا الرسل الأطهار ( 10 : 21 - 33 ) يوم الجمعة

وحتمية الموت هو واقع مشترك لجميع الناس كما صرّح الملك داود يوم وفاته “أَنا ذاهِبٌ في طَريقِ أَهلِ الأَرضَ كُلِّهم” (1 ملوك 2: 2). فيُشكل الموت نهاية لحياة كل انسان، لان الإنسان من التراب وإليه يعود كما قال الرب لآدم بعد خطيئته “لأَنَّكَ تُرابٌ وإِلى التُّرابِ تعود “(تكوين 3: 19). ولكن لا يُمكن حصر الموت في مجرد ظاهرة طبيعية، خالية من المعنى. وفي الواقع، لم يصدر حكم الموت ضد البشر، إلا بعد خطيئة آدم، أبينا الأول “وأَمَّا شَجَرَةُ مَعرِفَةِ الخَيرِ والشَّرّ فلا تَأكُلْ مِنها، فإنَّكَ يَومَ تأكُلُ مِنها تَموتُ مَوتًا ” (تكوين 2: 17)، فلقد خلق الإنسان، لعدم الفساد، والموت كما نختبره لم يدخل العالم إلا بحسد إبليس (حكمة 2: 23-24). فيحمل إذاً الموت سلطانه علينا قيمة الرمز: إنه يُعلن واقع الخطيئة في الحياة الدنيا.

ومع بداية التاريخ البشري بمعصية الإنسان دخلت الخطيئة العالم، وبالخطيئة دخل الموت كما جاء في تعليم بولس الرسول ” فكَما أَنَّ الخَطيئَةَ دَخَلَت في العالَمِ عَن يَدِ إِنسانٍ واحِد، وبِالخَطيئَةِ دَخَلَ المَوت، وهكذا سَرى المَوتُ إِلى جَميعِ النَّاسِ لأَنَّهُم جَميعاً خَطِئوا” (رومة 5: 12). فالخطيئة هي ” شَوكَةَ المَوتِ ” (1 قورنتس 15: 56)، لأن الموت هو ثمرتها وعاقبتها وأجرتها (رومة 6: 16)؛ ومنذ ذلك الحين، يموت الجميع في آدم (رومة 15: 22)، حتى إن الموت ساد على العالم (رومة 5: 14). فهناك رباط بين الخطيئة والموت. فالخطيئة شر، لا لأنها تناقض طبيعتنا وتخالف الإرادة الإلهية فحسب، وانما ايضا لأنها تشكل طريقاً إلى الموت. كما جاء في تعليم الحكماء ” ومَنِ اتَبعً الشَرّ فلِمَوته” (أمثاله11: 19)، وعليه، فالموت، بالنسبة إلى الخطأة، لا يشكّل قدراً طبيعياً، إنه حرمان من أعز خير منحه الله للإنسان، ألا وهو الحياة. وبالتالي فهو يتخذ طابع اللعنة.

هل تبحث عن  †† القديس مارجرجس والملكة ألكسندرة

وليس بمقدرة الإنسان أن يُخلَص نفسه من الموت. إذ تلزمه لذلك نعمة الله الذي هو وحده الحي بحكم طبيعته. وحتى مجيء المسيح كان الموت سائداً على العالم. ولمَّا جاء يسوع على أرضنا وانتصر بموته على الموت، تغيَّر معنى الموت منذ تلك اللحظة بالنسبة للبشرية المُتجدَدة التي تموت مع المسيح لتحيا معه إلى الأبد. فأصبح الموت باب للحياة الأبدية. ألم يقل السيد المسيح الى مرتا “أَنا القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا” وكُلُّ مَن يَحْيا ويُؤمِنُ بي لن يَموتَ أَبَداً” (يوحنا 11: 25-26).

ونستنتج نما سبق ان الموت هو جزء من واقع الحياة، وعلامة توقف وجود الإنسان في الظروف الجسدية. وبالتالي فهو يضع حداً لجهده في السعي في الزمن نحو الكمال. وأمَّا فيما يتعلق بالمؤمن فزمن الموت هو زمن الاتحاد الكامل مع الله. فينبغي على كل إنسان أن يكون مستعداً لمواجهة الموت، ما دام هو أيضاً “سيرى الموت” كما يصرح صاحب المزامير ” أَيُّ إِنْسانٍ يَحْيا ولا يَرى الممات؟ (مزمور 89: 49). ومن هنا نتساءل كيف ننتقل من الموت الى الحياة؟

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي