يناشد رسول الامم اهل كورنثوس المسيحيين أن يبقوا (على رأي واحد وفكر واحد) بعد ان سمع من أهل بيت السيدة (خلوي)cloh نبأ انقساماتهم. ولأوّل مرّة يرد فعل (صُلب) في المجهول في هذا الاطار المأساوي كنسيا (1: 13): (أتُرى المسيح انقسم؟ ألعلّ بولس صُلب من أجلكم؟ أم باسم بولس اعتمدتم؟) الرّدّ على هذه الاسئلة الخطابية معروف: لا، المسيح واحد! ونحن اعتمدنا باسم المسيح الواحد الذي صُلب هو – لا غيره – من أجلنا (في عهد بونطيوس بيلاطس)، كما جاء في الكتب، والذي اعتمدنا باسمه – لا باسم غيره – ونحمل اسمه (ابتداء من انطاكية) لا اسم سواه (عن 1: 2) إذ ليس بغيره الفداء (وما من اسم آخر تحت السماء وُهب للناس به يمكن لنا أن ننال الخلاص) (عن أع 4: 12).
النتيجة الاولى من هذه الاية 1: 13: المسيح المصلوب (يجمع أبناء الله المتشتتين) (يوحنا 11: 52) كما جمع بصليبه السماء والارض والرياح الاربع واليهودي واليوناني (عن غل 3: 28). إنّ صلبه يعطيه الحقّ في أن يدين البشر له بالولاء والوفاء والسمع والطاعة، ويخوّله صلاحية تعميد الناس باسمه. صليب المسيح أساس انتمائنا اليه واعتمادنا باسمه(20)، فماء معموديتنا مصبوغ بدمه، هو الذي (طعن أحد الجند جنبه بحربة، فحرج للوقت دم وماء) (عن يوحنا 19: 34)، وهو المنقذ الاتي (بالماء والدم) (عن يوحنا الاولى 5: 6). اشترى بدمه وفدى(21) (6: ،20 ثم 7: 23). ان الناس مُلكه ومِلكه لأنه قدّم لهم الحب الاعظم، أن (بذل حياته من أجلهم) (عن يوحنا 15: 13): (ان محبة المسيح تأخذ بمجامع قلوبنا عندما نفكّر أنّ واحدا قد مات من أجل جميع الناس، فجميع الناس قد ماتوا. ومن أجلهم جميعا مات المسيح، كيلا يحيا الاحياء من بعد لأنفسهم، بل للذي مات وقام من أجلهم) (2 كور 5: 14 – 15).
(الاولى) إلى الكورنثيين (رسالة الصليب) ورسالة قيامة الرب يسوع المجيد المجيدة (خصوصا فصل 15). ولا عجب، فالصليب والقيامة والصعود مرتبطة (عن 2 كور 1: 5 -،7 وخصوصا لوقا 24: 26).
– 1: 17
(فإنّ المسيح لم يرسلني لاعمّد (أي ليست المعمودية هدفا ولا غرضا اساسيا) بل لأبشّر، لا بحكمة الكلام، لئلاّ يُبطل صليب المسيح).
الأسلوب الشرقي السّاميّ غير دقيق (مأ ارسلني لاعمّد بل لابشّر) تعني (ما أرسلني أصلا ولا أوّلا ولا فقط) لاعمّد بل الشّأن للكرازة! والتبشير هو اعلان البشارة (الفعل (اوانجليزوماي) enaggelizomai, enaggelion من (اوانجليون) لئلا (يُفرغ) صليب يسوع، حسب الفعل اليوناني الاصلي kenoqh (كينوثه).
التعويل على (حكمة الكلام) (سوفيا لوغو)h sojia logou) كان من صفات الفلاسفة الاغريق والهلنستيين. ويمكن نقل العبارة ب (حكمة المنطق) بما ان (لوغوس) تعني ايضا (منطق، سبب). هنا يضمّ الرسول حذق التفكير وحسن التعبير ويقصيهما طوعا لا كرها، مع انه كان (من كلاسيكيي الهلنستية)(22)، فلسفة وخطابة. ولكنّ نصب عينيه المصلوب ولا يستطيع أن يتجاهله!
النتيجة الثانية: الاعتماد على (حكمة الكلام) أي على الفلسفة والبلاغة تفريغ لصليب المسيح! انه (تصفية) للتضحية والفداء عن طريق الذل والعذاب والموت وانه تملّق (لسحر البيان) ولغرور التفكير البشري) (عن كولسي 2: 6 و8). (كلمة الصليب) هي صليب الكلمة البشرية الفلسفية، من عبرية ويونانية.
عند بولس (المفكر الخطيب المستغني عن الفلسفة والبلاغة في سبيل المسيح المصلوب) الصليب والبلاغة ضدّان لا يلتقيان وخصمان لا يتّفقان ونقيضان لا يلتئمان! من طلب البلاغة وإعجاز اللسان خسر الصليب، ومن طلب الصليب ترفّع عن البيان!(23) وسيختار بولس الصليب وسيترك البيان والفصاحة والبلاغة ومقاييس التفكير الهلنستية والحاخامية (2: 1 – 2) ولن يعرف الا (يسوع المسيح واياه مصلوبا) (2: 2).
الكلام فارغ(24)، وإذا ركن أحد اليه في التبشير بالانجيل أصبح الصليب فارغا، وأمسى فقط كلاما في كلام! (ملكوت الله ليس بالكلام بل بالعمل) (4: 20).
الكلام سهل والتضحية القصوى (حتى الموت، موت الصليب) صعبة جدا، ونادرا ما يُقدم عليها أحد ولا سيّما إذا كان يموت عن بشر غير صالحين (عن روم 5: 6 – 10). ويقول بصواب مثل دارج: (قليل العقل يرضيه الكلام). المنتفخون يلقون الخطب ويطّرزون الالفاظ وبولس يركن إلى قدرة المصلوب ومعجزة الصليب (4: 19).
أمام صليب المسيح يسكت اللسان. وبخلاف ذلك، عندما يلعلع اللسان ويسترسل في البديع والمحسنات اللفظية يغطّي فراره من الصليب ويفضح لجوءه إلى (الصنج الذي يرنّ والنحاس الذي يطنّ) (عن 13: 1)، هذا حال الفصاحة من غير محبة (عن 13: 1)، انها طبل أجوف وبوق عقيم أقصى فعله الصدى ولا يأتي بالفدى! أمّا الصليب فهو قمّة المحبة الفادية، (ولا مغفرة من غير سفك دماء) (عن عبرانيين 9: 22).
(الاقوال تطير والكتابات تبقى)(25)، والمسيح ما كتب – كما تمنّى أيوب، (أن تُكتب أقواله وتُرقم بقلم من حديد على الرصاص) (أي 19: 23 – 24) بل كتب بدمه سِفر الحياة. ما قال يسوع فقط، بل فعل. ما أعلن المحبة لخاصّته فقط بل مات من أجلهم، وهذا هو البرهان الاقوى، لأن (المحبة قوية كالموت).
الخلاف قائم بين التعويل على الفكر والبلاغة من جهة، والصليب من جهة أخرى. أمام هذا العقاب الفتّاك، يستقيل الفكر وييأس، ويرتبط اللسان ويشلّ.
الصليب مصداقية حب المسيح وحقّ رسالته، هي ختم كلماته، هي شهادة للمصلوب، كما كتب القديس يوستينوس(26). الذي يموت من أجل الناس لا يخدعهم، ولكن (الكلام المعسول) من صفات المعلمين الكذبة (عن 2 بط 2: 1 -،2 روم 16: 18) ومن صفات المتاجرين بكلام الله وبالناس، ومن صفات الانبياء الكذبة ارتداؤهم ثياب الحملان، بالكلام المنمّق الذي يخفي الفراغ والفساد (عن متّى 7: 15- 17). ثمارهم الطنطنة والانانية وإرضاء الذات وثمار يسوع اقتضاب الكلام والتفاني والاتضاع.
– 1: 18
(إنّ لغة (في اليونانية: لوغوس، ولعل) اللفظة (لغة) مشتقة من اليونانية) الصليب حماقة عند الهالكين، وأمّا عند الذين نالوا الخلاص، عندنا، فهو قدرة الله).
(هو لوغوس تو ستافرو) o logo6 tou 6taurou، (كلمة الصليب) او (منطق الصليب)، الكلمة التي هي الصليب كقولك (لفظة الصليب) (ومفهومه ومدلوله). هذا المضاف اليه مرادف لبَدَل ومعناها: (الكلمة التي هي الصليب جنون..)، كقولك (مدينة القدس) اي المدينة التي هي القدس. ويدعى هذا (المضاف اليه التفسيري)génitif explicatif).)
الصليب كلمة جنونية وواقع لا معنى له، أو إذا كان له معنى فهو فظيع كريه غير معقول ولا مقبول! والنظر إلى صليب يسوع كصلبان سابقيه او كرموز الوثنية بشكل صلبان – هذا النظر القصير يحصر التفكير في أداة العذاب والعقاب والاعدام البغيضة ويسبب النفور والاشمئزاز والتمرّد والاستياء والثورة لسان حالها: (لا نريد المشنقة شعارا ولا الاعدام راية!)