التأريخ في حقبة المكابيين
يُلاحظ أن التواريخ في سفر المكابيين الأول تسير بانتظام تبعًا لـ”سنة مُلك اليونانيين” (1مكا 1: 10) لذلك فإن السفر بالنسبة للفترة التي يتناولها (167 134 ق.م.) يعتبر العمود الفقرى لأي تسلسل تاريخى يهودي بالنسبة للتاريخ العالمي, ويذكر يوسيفوس أن هذه الفترة هي فترة (المملكة السورية) والتي تبدأ من وقت احتلال سلوقس نيكانور لسوريا.
أما الحدث الحاسم والرئيسى الذي بدأت به هذه الفترة, فهو “معركة غزة” والتي قامت في صيف سنة 312 ق.م. وكان التقوىم السلوقى الرسمي يتبع العادة السورية لبدء السنة في الخريف, مثل التقوىم اليهودي قبل السبي, وهكذا بدأت الفترة السلوقية رسميًا في خريف سنة 312 ق.م. وتُستخدم هذه الطريقة بالطبع في المراسلات الواردة في الأصحاح الحادى عشر, حيث نجد في نفس السنة التسلسل التالي: ديسقورس (2مكا 11: 21) وكسنتكس (11: 33) والأول هو شهر الخريف (Dios) بينما يقابل الثاني شهر نيسان اليهودي (ابريل تقريبًا) والذي يعدّ بدء السنة الجديدة لليهود, ومن الواضح أن ليسياس استخدم عبارة Diosco في خطابه, واضعًا شهر Dios بأنه Corinthius ربما بسبب إعجابه بكل ما هو إغريقى, ومع ذلك فإن التقوىم اليهودي بعد السبي اتبع العادة البابلية لحساب السنة بدءًا من الربيع في شهر نيسان, ولكنه احتفظ في الوقت ذاته بتقليد الاحتفال بالسنة الجديدة في الخريف (في الشهر السابع تشرين) ويزيد هذا من تعقيد مشكلة التواريخ في سفرى المكابيين الأول والثاني.
التأريخ في حقبة المكابيين
ويُتّبَع نفس التقوىم في السرد القصصى للسفر, فحيث يذكر سفر المكابيين الأول تاريخيًا سوريا في (1مكا 7: 1) يتفق معه المكابيين الثاني (2مكا 14: 4) ومن ناحية أخرى عندما يذكر سفر المكابيين الأول تاريخًا يهوديًا (1مكا 6: 20) لصيف سنة 163 ق.م. فإنه يعتبرها سنة 150, بينما يورد سفر المكابيين الثاني نفس الحدث في سنة 149. وقد بدأت سنة 150 طبقًا للحساب اليهودي في الربيع السابق (لهذا الصيف) ولكنه وطبقًا للتقويم السلوقى الرسمي فإنها لا تبدأ حتى الخريف التالي لذلك الصيف, ويدل وجود فاكهة “التوت” (1مكا 6: 34) على أنه الوقت كان صيفًا, ومما يؤكد التاريخ أيضًا أن نقص الطعام الذي عاق دفاع اليهود عن “بيت صور” كان في السنة السابعة (1مكا 6: 49, 53) لأن هذه السنة المقدسة كانت تحسب من الخريف (تشرين 164 ق.م.).
فهل بكر اليهود ببداية الفترة السلوقية وقدموها إلى شهر نيسان سنة 312 ق.م. أو أكثر من ذلك إلى تشرين 313 ق.م. أم أن اليهود الفلسطينيين انتظروا حتى نيسان سنة 311 لبدء هذه الفترة!؟ لقد كان لكل رأى من هذه الآراء من يؤيده من العلماء الأكفّاء, فثار جدل كبير وثرى حول أكثر من طريقة لحساب المصادر المختلفة لسفرى المكابيين الأول والثاني.
إن ترقيم الشهور في سفر المكابيين الأول يؤيّد احتساب السنة ابتداء من الربيع, ولكن من أي ربيع؟! ويمكن معرفة ذلك بطرح الصفة الرقمية المعطاة للسنة ناقصًا واحدًا من 311, وهكذا فإنّ حكم أنطيوخس أبيفانيوس والذي بدأ في (137 سلوقية) يحدد تاريخه بسنة 175 ق.م. (311 136). ولا يمكن أن تكون هذه الحسبة التقريبية دائمًا صحيحة, حتى بافتراض أن البدء من نيسان 311 ق.م. فإن السنة تتداخل مع التقوىم اليوليوسى, ومن ناحية أخرى يمكن أن تكون تواريخ بعض السنوات دقيقة, حتى لو بدأت الفترة في ربيع أو خريف سنة 312 ق.م. لأن السنوات ستكتمل في ربيع أو خريف 311 ق.م.
وقد نتج عن البحث الحديث تحليل التواريخ إلى تواريخ سورية رسمية أو يهودية شعبية, والأولى كلها ذات صفة عامة ولا تعطى رقم أو اسم الشهر, بينما الأخيرة دقيقة جدًا وتسجل الشهر وكثيرًا ما تسجل اليوم, وتتصل الأولى بوجه خاص بالأحداث العامة للتاريخ السورى (مثل سنة جلوس ملك على العرش) بينما تختص الأخيرة بالشئون اليهودية الداخلية أو بالتاريخ السورى فيما يمسّ اليهودية, ويرجع اختلاف حساب هذه التواريخ إلى المصادر التي يستخدمها الكاتب, وأفضل وسيلة لحسمها هي حساب بداية السنة في كل حالة: ابتداء من 312 ق.م.
_______________
(1) هذه المناقشة وإن تبدو غير سلسة إلا أننا سنحتاج إليها كثيرًا أثناء مطالعة التفسير.
هل تبحث عن  1968-البابا كيرلس وعبد الناصر ورؤساء كنائس العالم مع مرقص الرسول-عودة رفات مارمرقص

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي