تاريخ كتابة السفران
يغطّى سفر المكابيين الأول الفترة الزمنية ما بين (مُلك أنطيوخس سنة 175 وموت سمعان سنة 135 ق.م.) ويعد أول تاريخ يهودي يؤرخ للأحداث من نقطة ثابتة, وهي بدء تولى السلوقيون للحكم (أي منذ عام 312 ق.م.) هذا ويظهر كاتب السفر كشخص قريب من الأحداث, فمن المؤكد أن السفر كُتب قبل سنة 63 ق.م. حين أصبحت اليهودية ولاية رومانية, وإلا لكان الثناء عليها يُعدّ غريبًا في الإصحاح الثامن من السفر, كما أن الإشارة الواردة في (13: 27 30) عن قبر الحشمونيين الذي بناه سمعان في مودين وأنه باق “حتى الآن” إنما ترمز إلى الفترة الزمنية الواقعة بين موت سمعان سنة 134 ق.م. وكتابة السفر, وتجعل أقدم تاريخ لكتابة السفر سنة 110 ق.م.
ومع ذلك فلا مانع من أن يكون الكاتب قد بدأ عمله في أيام سمعان, إذ يبدو من خلال كتابته أنه شاهد عيان, وأنه معاصر للشخصيات الرئيسية في الأحداث, مثل (14: 4 15) والتي يشير فيها إلى أن فترة حكم سمعان كانت فترة سلام. وهكذا فإن عملية جمع المواد بدأت منذ عهد سمعان (143 134 ق.م.) ولكن القيام بإتمام العمل يعود إلى تاريخ لاحق, ربما الربع الأخير من القرن الثاني قبل الميلاد.
تاريخ كتابة السفران
ويقول العلامة تورى Torry أن سفر المكابيين الأول كُتب بقلم شخص عاصر كل صراع المكابيين منذ بدايته, أي أن الكاتب لم يعتمد في كتابته للسفر على مصادر خارجية, بل ومن المرجح أن تكون له مصادر مسجلة بمعرفته شخصيًا, وإلى هذا يُعزى السرّ في دقة التفاصيل والتواريخ, ويمكن استنتاج ذلك من (9: 22, 16: 23) حيث الإشارة إلى وجود وثائق وكذلك من العادة القديمة في وجود سجلات محفوظة في الهيكل أو في أماكن أخرى, ولعلها كانت تشتمل على سجلات الدولة المشار إليها مرارًا وكذلك الأسفار وكتب الخدمة.
والإشارة الموجودة داخل السفر في (16: 18 24) تدل على أقرب تاريخ لكتابة السفر, حيث يرد أن يوحنا هركانوس والذي توفى في سنة 105 ق.م. كان قد خلف سمعان منذ عدة سنوات, كما يرى بعض العلماء أن (1مكا: 16 23) تشير إلى أن يوحنا قد مات عند اكتمال كتابة هذا السفر. فإن عبارة”…. وبقية أخبار يوحنا وحروبه….” هي العبارة التقليدية لختام تاريخ الملوك في الأسفار التاريخية للعهد القديم, راجع على سبيل المثال (ملوك أول 11: 41, ملوك ثان 10: 34) ولكن البعض يرى في النصب التذكارى الذي أقامه سمعان سنة 143 ق.م. (1مكا 13: 30) تذكارًا لأبيه وأخوته والذي كان ما يزال موجودًا حتى وقت كتابة السفر سنة 113 ق.م. أي بعد نحو ثلاثون عامًا من تاريخ إقامته, إضافة إلى أن مدح سمعان المتوفى سنة 135 ق.م. وحكمه الذي تميز بالسلام (14: 4 15) قد يعطى الانطباع بأنه كان قد مضى الكثير على وفاته, وعليه فمن التواريخ المقترحة لكتابة السفر سنة 80 ق.م.
ولكن العلماء يعودوا فيؤكدون أن كاتب السفر ربما قام بعمله بتكليف من هركانوس ابن سمعان, لتدوين تاريخ رسمي للحشمونيين والذي يبدأ بثورة متتيا الكاهن ويصل إلى الذروة في أيام سمعان, كما قدم الكاتب نبذة مختصرة عن جلوس هركانوس للحكم تأكيدًا لاستمرار حكم نسل سمعان, وهو يقدم نسل متتيا في السفر كأسرة مختارة, ما كان يمكن تحقيق النصر لولا تسلّمها لمقاليد الأمور.
ورغم أن الآيات الأخيرة في السفر يظهر منها وكأن حكم هركانوس قد مضى عليه بعض الوقت, فليس هناك ما يشير إلى أن سجلات كهنوته كانت قد تمت في ذلك الوقت, وربما يدل قلق الكاتب على الأسرة الحاكمة على أنه كان يكتب في ظل عدم الرضا المتزايد من جانب الحسيديين عن سياسة الحشمونيين في القيادة. هذا وقد انتهى حكم يوحنا بقطيعة علنية مع الفريسيين في مقابل مناصرته للصدوقيين. وقد أشار الكاتب إلى ولاية سمعان قائلًا “حتى يقوم نبي أمين” (14: 41) وذلك في إشارة عكسية إلى الشخصيات النبوية مثل “معلم الصلاح” في قمران, و”يهوذا الأسينى” حيث تفيد الإشارة إلى أنهما غير جديرين.
والسفر مفعم بالوثائق والرسائل المتبادلة في جو من الدبلوماسية الحارة, ما بين اليهود وجيرانهم وأصدقائهم, وذلك على غرار ما ورد في سفر نحميا, ومن قبله بعض الأسفار, هذه الوثائق هى:
1. كتاب يهود جلعاد إلى يهوذا المكابى (1مكا 5: 10 13).
2. معاهدة بين الرومان واليهود كتبت على ألواح من نحاس وأرسلت إلى يهوذا (8: 22 32).
3. رسالة من الملك الإسكندر إلى يوناتان المكابى (10: 18 20).
4. رسالة من الملك ديمتريوس الأول إلى يوناتان (10: 25 45).
5. رسالة من الملك ديمتريوس الثاني إلى يوناتان (11: 30 37) ومعه خطاب إلى لسطانيس (11: 31 37).
6. رسالة من أنطيوخس (الصبى) إلى يوناتان وتعيينه رئيسًا للكهنة (11: 57).
7. رسالة يوناتان إلى الإسبرطيين طلبًا للتحالف معه (12: 5 8).
8. رسالة من أريوس ملك أسبرطة إلى حونيا رئيس الكهنة (12: 20 23).
9. رسالة ديمتريوس الثاني إلى سمعان (13: 3640).
10. رسالة الأسبرطيين إلى سمعان (14: 20 24).
11. إقرار من اليهود بالاعتراف بخدمات سمعان واخوته (14: 27 45).
12. كتب من أنطيوخس السابع (سيدتيس) إلى سمعان (15: 2 9).
13. رسالة من لوقيوس قنصل الرومان إلى بطليموس ملك مصر يطلب فيها حماية اليهود (15: 16 21) وصورة منها إلى سمعان (15: 24).
أما بالنسبة لسفر المكابيين الثاني, فإنه من الصعب تحديد تاريخ الملخص وبالتالي تاريخ كتابة ياسون لكتبه الخمسة (أو السبعة) ولكن يبدو أنه كُتب بعد سنة 161 ق.م. حيث أنها السنة التي يختم فيها السفر تاريخه بزمن طويل يكفى لانتشار قصص الاستشهاد (ص6, 7) والظهورات المعجزية كما في (3: 24 30) كما رأى البعض أن الإشارة الواردة في (2مكا 15: 36) إلى (استير 9: 21) دليلًا على أن السفر كُتب نحو سنة 100 ق.م. (نظرًا للاعتقاد السائد بأن سفر استير لم يظهر قبل ذلك الوقت, وهو اعتقاد خاطئ بلا شك).
ومن الصعب افتراض أن الملخص كُتب قبل سنة 130 ق.م. إلا أن الكتاب نفسه قد كُتب خلال فترة لاحقة لسنة 125 ق.م. ومن هنا يمكن القول بأن ياسون قام بعمله بعد سنة 130 ق.م. وبما أنه كُتب بعد سفر المكابيين الأول (حيث يذكر دفع الجزية للرومانيين “2مكا 8: 10, 36” وهو أمر لم يُذكر في مكابيين الأول) وحيث أن فيلو السكندرى قد توفى سنة 40 م. وهو يشير في كتاباته إلى ما ورد في سفر المكابيين الثاني وبالتحديد إلى (2مكا 4: 8 7: 42) فلا بد وأن السفر كان قد كُتب وعُرف قبل ذلك بكثير.
كما أشار السفر إلى أن الخدمات كانت ما تزال موجودة في الهيكل, ولا إشارة فيه إلى خراب الهيكل سنة 70 م. (راجع 2مكا 3: 6 12) كما أن ما جاء في الرسالة إلى العبرانيين عن الشهداء المكابيين (عبرانيين 11: 35, 36) يشير إلى مرور فترة طويلة على كتابة السفر تسمح بهذا الانتشار, وتعليم السفر يمثل آراء الفريسيين في منتصف القرن الأخير قبل الميلاد, وهكذا يكون السفر قد كُتب ما بين (40 ق.م.) و(40 م.).
غير أن العالم كموستر يقول أنه في حال تأكدنا من مقاومة الكاتب للحسيديين فإنه يمكن تحديد تاريخ كتابة السفر لتكون سنة 106 ق.م. وذلك عندما انفصل الفريسيين عن الحسيديين (وذلك بسبب رأى العالم هوشفيلد) وإن كان العداء بين الفريقين بدأ قبل ذلك الوقت بزمن.
وهكذا يمكن القول في النهاية أن سفر المكابيين الأول كُتب ما بين عامى 110 و80 ق.م. وهو بالتالي أقدم من سفر المكابيين الثاني والذي يرجح تاريخ كتابته سنة 40 ق.م. وهو ليس ملخصًا للسفر الأول ولا تكملة له وإنما هو سفر مستقل.
___________________
(1) كان التأريخ قديمًا يرتبط بالأحداث الكبيرة مثل بدء تولّى الملوك أو المجاعات الكبرى والزلازل العظيمة وغيرها, وبالتالي كانت نقطة التأريخ متحركة. ومع أن التأريخ المشار إليه هنا يعد نسبيًا نقطة ثابتة, إلا أن الأمر لم يحسم بشكل نهائي إلا في القرن الخامس حين قررت الكنيسة اعتبار ميلاد المسيح هو الحد الفاصل في التاريخ, فنسبت إليه جميع الأحداث سواء قبل أو بعد ميلاده, وهو ما يشار إليه في اللغة العربية ب (ق.م.) وفي اللاتينية ب (A.D.).
تاريخ كتابة السفران
هل تبحث عن  المؤمنون ليسوا تحت الناموس

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي