لم تكن الفنادق في العصور الكتابية على الصورة التي نعرفها الآن، بل كانت – بشكل عام – أشبه “بالخان الشرقي” الذي مازال يوجد في بعض بلاد الشرق الأوسط. وكانت هذه الفنادق تُقام عادة على طريق القوافل كمحطات للراحة. وكانت عبارة عن فناء مربع مسور له بوابة كبيرة قوية. ويحيط بالفناء من داخل السور وملاصقًا له بناء من طابقين – عادة – مقسم إلى غرف سفلية تفتح بأبوابها ونوافذها إلى الخارج، وتفتح أبوابها على شرفة تمر بجميع الغرف، ويُصعد إليها بدرج أو أكثر. وكان يوجد عادة في وسط الفناء بئر للمياه العذبة. وكانت بعض الغرف السفلى تستخدم لإيواء الركائب أو المواشي التي تأتي مع القوافل.
ولا نعلم بالضبط متى بدأ أنشأ مثل هذه المنشآت في فلسطين، إذ يبدو أنه في أيام الآباء الأوائل لم تكن تتوفر مثل هذه النُزل لمبيت المسافرين، إذ كان من العرف السائد أن يستضيف أهل المكان المسافر الذي يمر بهم كما فعل إبراهيم ولوط (تك 18: 1-5، 19: 1-3). وإن لم يحدث ذلك، كان المسافر يبيت في ساحة القرية أو المدينة (تك 19: 3). أما المسافر في الصحراء، فكان يلجأ إلى ظل شجرة أو صخرة ليبيت (تك 28: 11). وكان المسافر – عادة – يحمل معه غطاءه وطعامه (انظر مثلًا يش 9: 11-13)، بل وطعام ركائبه أيضًا (قض 19: 18، 19).
وأول إشارة إلى وجود مثل هذه المنشاءات، هو ما نقرأه عن إخوة يوسف، حيث نزلوا في أثناء عودتهم من مصر إلى أرض كنعان، في “المنزل” (تك 42: 47، 43: 21). وكذلك عند عودة موسى وزوجته صفورة من أرض مديان إلى مصر فقد نزلا في “المنزل” (خر 4: 24).
أما “المبيت” الذي بات فيه بنو إسرائيل بعد عبورهم نهر الأردن، فلم يكن سوى أرض فضاء متسعة، لعلهم أزالوا منها الحجارة والأشواك ليبيتوا فيها.
وقد وصف “الترجوم” اليهودي، وكذلك يوسيفوس المؤرخ اليهودي، “راحاب” (يش 2: 1-15) بأنها كانت صاحبة “خان”. ولعل الترجوم ويوسيفوس استخدما الكلمة التي كانت شائعة في أيامهما، ولكن هناك بعض الإشارات التاريخية إلى قيام بعض النسوة بإنشاء مثل هذه المنازل لاستضافة المسافرين للمبيت بها، بل وممارسة الجنس أيضًا. ولعل من هنا جاء وصف راحاب “بالزانية” (عب 11: 31، يع 2: 25). ويذكر التاريخ أن مثل هذه “النزل” كانت موجودة على طرق القوافل حول البحر المتوسط منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وزاد انتشارها في العصر الهليني، ولكنها لم تكن منازل مريحة ولا آمنة، بل كانت معرضة لغارات اللصوص، ومضايقات العاهرات والهوام.
أما “المنزل” الذي لم يجد فيه يوسف والعذراء مريم موضعًا لهما (لو 2: 7) فالمعتقد أنه كان “خانًا” مثل الموصوف في بداية هذا المبحث، وقد وجدا الغرف المخصصة للمسافرين ممتلئة، ولم يكن بد من المبيت في إحدى الحظائر فوق “المصطبة” التي كانت تجاور المذاود، وأضجعت العذراء المولود في المذود المجاور لها.
أما الفندق المذكور في مثل “السامري الصالح”، فمن الواضح أنه كان “خانًا” معدًا لنزول القوافل والمسافرين ما بين أورشليم وأريحا، وكان يقوم بخدمة النازلين به وتزويدهم بما يحتاجون إليه بل وعلاج المرضى منهم (لو 10: 34، 35).
وما زال هناك “خان” على منتصف الطريق من أورشليم إلى أريحا يسمى “خان الحدرور”، ويقال إنه مبني في موقع الفندق المذكور في مثل السامري الصالح.
ونقرأ في سفر أعمال الرسل أن الإخوة في رومية، لما سمعوا بوصول الرسول بولس ورفاقه، خرجوا لاستقبالهم “إلى فورن أبيوس والثلاثة الحوانيت” (أع 28: 15). والأرجح أن هذه “الحوانيت الثلاثة” كانت لاستراحة القوافل، وكانت تبعد عن رومية بنحو 33 ميلًا عند تقاطع الطريق الأبياني الشهير والطريق من “أنيتوم”.