إن عبارة “مخافة الله” (آ 11) التي هي الموضوع الاساسيّ الذي نودّ التأمّل فيه. كان استعداد أول مع فعل “خاف” في آ 8. هو خوف لدى عبيد ابيمالك. ولكنهم هم لا يعرفون سبب هذا الخوف. “خافوا جداً”. يقول النصّ هذا الكلام، فيدلّ على أن هذه العاطفة الدينيّة موجودة عند اليهود وعند اللايهود.
إن مخافة عبيد أبيمالك تشبه مخافة أناس وجدوا نفوسهم أمام إله يرعبُ الناس. قد نكون أمام مخافة دينيّة تشبه مخافة العبد من العصا. ولكن مجمل الخبر يتيح لنا أن نفهم أنهم مستعدون لأن يعيشوا مخافة أخرى تصفها آ 11. فمضمون مخافة الله في هذه الآية واضح: هي الطاعة لقواعد أخلاقيّة يحافظ عليها الاله. اذن، لسنا فقط أمام عاطفة سيكولوجيّة، بل أمام طاعة لشريعة الله، وجب على بني اسرائيل أن يعيشوها ولكنهم لم يفعلوا. فصاروا مثل يونان الذي لم يعرف أن يصلّي ساعة هاج البحر، بل استغرق في نوم عميق وكأنه لا يريد أن يسمع صوت الله. وصاروا مثل أورشليم التي ما أرادت أن تتوب كما فعل أهل نينوى. ذاك سيكون الوضع في الكنيسة الفتيّة. احتشد أهل مدينة أنطاكية بسيدية ليسمعوا كلام الله. فلما رأى اليهود الجموع، امتلأوا غيرة وأخذوا يعارضون كلام بولس بالكفر والشتيمة. فقال بولس وبرنابا بجرأة: “كان يجب أن نبشّركم أنتم أولاً بكلمة الله، ولكنكم رفضتموها، فحكمتم أنكم لا ترون أنفسكم أهلاً للحياة الابديّة. ولذلك نتوجّه الآن إلى غير اليهود، إلى الوثنيين” (أع 13: 44- 46).
ما جهل أبيمالك الشريعة التي تمنع الرجل أن يأخذ أمرأة جاره. ولكنه جهل أن سارة امرأة متزوجّة. وهكذا، حين علم بالخبر دلّ حالاً على أنه عائش في مخافة الله. وهكذا بدت حياته الاخلاقية أسمى من المؤمن بالله. وهذا ما يجب أن يطرح علينا سؤالاً. هل تتوافق حياتنا مع إيماننا؟ فقد يجدّف الناس على الله بسببنا، لأننا نقول لا تسرق ونسرق… وشي خبر نعمان، لا نجد موضوع مخافة الله مع أننا في وسط نبويّ. هذا يعني أن خبر ابراهيم في جرار هو خبر متأخّر. هو يرتبط بأسفار الحكمة التي قالت: “رأس الحكمة مخافة الله”. وهكذا بدا أبيمالك حكيماً مثل هؤلاء الحكماء الذي عرفهم الشرق من مصر إلى بلاد الرافدين وذكر بعضَهم سفرُ أيوب.
تلك كانت قراءة ثانية للبنتاتوكس أو أسفار موسى الخمسة حيث اكتشفنا مع دور الملك والنبيّ، مخافة الله التي يجب أن يعيشها المؤمن، كل مؤمن. سواء آمن بالاله الواحد أو آمن بإله الأرض التي يعيش فيها. فإن كان من تسلّم الوحي قد نال من الله شريعة ووصايا، فالذي لم يتسلّم وحياً يعرف من خلال ضميره، من خلال صوت الله فيه، ما يجب أن يعمل ليرضي الله الذي يجازي كل انسان حسب أعماله. ففي النهاية، ما يطلبه الله من الانسان هو السعادة له ولمجتمعه. وحفظ الوصايا أفضل طريق في هذا السبيل، ومن تحلّى بمخافة الرب حفظ وصاياه.
درسنا بشكل خاص مقطعاً من سفر التكوين نرى فيه مخافة الله لدى الشعوب الوثنية، وقد عرفناها في محيط الحكماء في أرض اسرائيل كما في خارجها. وها نحن نرافق هذه المخافة في حياة الآباء، في حياة ابراهيم وحياة يعقوب، عند يوسف وعند موسى. بعد ذلك، نعود إلى النصوص التشريعيّة التي تساعدنا على أن نضع موضع العمل هذه المخافة التي يجب أن تنير سلوكنا والتي هي أعظم مديح نقدّمه لانسان من الناس. نقول:
هو يخاف الله. مثل هذه المخافة ليست عاطفة العبد الذي يرتعد أمام سيّده، بل عاطفة المحبّ مع حبيبه فيعمل ما في وسعه ليمنع كل ما يعكّر هذه العلاقة الحميمة التي تبقى سريعة العطب.