شرح الكتاب المقدس – العهد القديم – القس أنطونيوس فكريصموئيل الاول 1 – تفسير سفر صموئيل أول
آية(1):-
كان رجل من رامتايم صوفيم من جبل افرايم اسمه القانة بن يروحام بن اليهو بن توحو بن صوف هو افرايمي.
يلاحظ أن جد صموئيل اسمه صوف وهو من سبط لاوي ومن عشيرة قهات (1 أي 6: 22-28، 33-38). وغالبًا أتى صوف هذا وسكن في جبل أفرايمولذلك سمى المكان على اسمه رامتايم صوفيم أي مرتفعتا آل صوف حيث سكن صوف الجد الكبير. إذًا صموئيل هو من سبط لاويوسمى إفرايمى لأنه سكن في إفرايم كما سمى المسيح ناصريًا مع أنه من اليهودية (بيت لحم) لأنه سكن في الناصرة.آية(2):-
و له امراتان اسم الواحدة حنة واسم الأخرى فننة و كان لفننة أولاد واما حنة فلم يكن لها أولاد.
ولهُ إمرأتان = حيثما وُجِدَ تعدد الزوجات ذهب سلام العائلة (امثلة:- إبراهيم وإسحق ويعقوب.. فإبراهيم ويعقوب عانوا من تعدد الزوجات بينما إسحق كان لهُ سلام في بيته). فننة = مرجانة أو لؤلؤة، حنة = تعنى حنان أو نعمة.آية(3):-
و كان هذا الرجل يصعد من مدينته من سنة إلى سنة ليسجد ويذبح لرب الجنود في شيلوه و كان هناك ابنا عالي حفني وفينحاس كاهنا الرب.
كان اليهود ملزمين بالصعود لأورشليم 3 مرّات سنويًا في أعياد (الفصح والحصاد والمظال) وربما اعتاد ألقانة أن يأخذ كل أفراد أسرته سنويًا إلى شيلوه ليسجد ويذبح للرب أي يقدم ذبائح (ومن لحم ذبيحة السلامة يأكل مقدمها وأقرباؤه وأصدقاؤه والكاهن) فكانوا في هذه المناسبات يأكلون ويشربون وهذا ما دعا عالى الكاهن أن يظن أن حنة سكرى وهي تبكى وتصلى. وبعض الدارسين رأوا أن اليهود إكتفوا بالصعود لأورشليم مرة واحدة سنويًا (لو 2: 41) وغالبًا كانت في عيد الحصاد للاحتفال بالعيد العظيم. وكانوا يأكلون ويشربون خمرًا. شيلوه = هي مركز العبادة واختارها يشوع مقرًا للخيمة والتابوت، وهناك سكن عالى الكاهن وصموئيل وهي شمال أورشليم بـ27كم. رب الجنود = أول مرة يذكر هذا اللفظ. والله رب الجنود (جند الملائكة وجند البشر وجند الكواكب (تك 2: 1 + 1مل 22: 19 + مز 148: 2، 44: 9 + خر 7: 4).آية(4):-
و لما كان الوقت وذبح القانة اعطى فننة امراته و جميع بنيها وبناتها انصبة.
كان لمحبة ألقانة لزوجته حنة أنه يعطيها نصيب اثنين من لحم الذبيحة. ونصيب الاثنين هو نصيب البكر لذلك تحمل القصة معنىً رمزيًا فألقانة يشير للمسيح وزوجتيه يشيران لكنيسة العهد القديم (فننة)، وكنيسة العهد الجديد (حنة) كنيسة الأبكار، هذه التي كانت عاقرًا فأصبح لها أولاد بعد أن تمتعت بثمار الروح القدس.آية(5-6):-
و أما حنة فأعطاها نصيب اثنين لانه كان يحب حنة و لكن الرب كان قد اغلق رحمها.و كانت ضرتها تغيظها أيضًا غيظا لاجل المراغمة لان الرب اغلق رحمها.
لأجل المراغمة = أى لإثارتها. فكانت فننة تعرف ما يغيظ حنة فتذكرها به وتكرره.الآيات (7-9):-
و هكذا صار سنة بعد سنة كلما صعدت إلى بيت الرب هكذا كانت تغيظها فبكت ولم تاكل. فقال لها القانة رجلها يا حنة لماذا تبكين ولماذا لا تاكلين ولماذا يكتئب قلبك أما أنا خير لك من عشرة بنين. فقامت حنة بعدما اكلوا في شيلوه وبعدما شربوا وعالي الكاهن جالس على الكرسي عند قائمة هيكل الرب.
هكذا يعاتبنا المسيح قائلًا:لماذا تحزن على أمور زمنية أو ضيقات وقتية، أما يكفيك أنني أعطيتك جسدي لتأكله وتحيا به ولأشبعك وأعزيك (خصوصًا أن ذبيحة السلامة تشير للتناول) ولكن التناول وحده لا يرفع المرارة بل نحتاج للصلاة.آية(10):-
و هي مرة النفس فصلت إلى الرب وبكت بكاء.
فصلّت = هكذا ينبغي أن نسلك لنجتاز الآلام ليس بالشكوى إنما بالصلاة، بل أن هناك بركة للضيقات فخلالها نعرف الله، فالله يسمح لكنيسته أن تدخل تحت الآلام لتشاركه ضيقة الصليب فتثمر سلامًا يفوق كل عقل راجع (رو 8: 17). ولاحظ أن المرارة كانت راجعة لأن كل امرأة يهودية كانت تتمنى أن يأتي منها المسيح. لذلك العقم كان دليل عدم رضا الله على المرأة فكان حزنها يتضاعف.آية(11):-
و نذرت نذرا وقالت يا رب الجنود أن نظرت نظرا إلى مذلة أمتك وذكرتني ولم تنس أمتك بل اعطيت امتك زرع بشر فاني اعطيه للرب كل أيام حياته ولا يعلو راسه موسى.
إرخاء الشعر علامة النذير مدة النذر، وكان صموئيل نذيرًا للرب كل أيام حياته. وكان كل لاوي بالميلاد يكون للرب. ولكن نذر حنة أن ابنها يكون للرب من صغره وقد فعلت. إذًا طلبها كان لمجد الرب وياليت طلباتنا تكون هكذا ” يا رب إعطنا لنمجدك بما أعطيتنا”.الآيات (12-18):-
و كان إذ اكثرت الصلاة أمام الرب وعالي يلاحظ فاها. فان حنة كانت تتكلم في قلبها وشفتاها فقط تتحركان وصوتها لم يسمع ان عالي ظنها سكرى. فقال لها عالي حتى متى تسكرين انزعي خمرك عنك. فاجابت حنة وقالت لا يا سيدي اني امراة حزينة الروح ولم اشرب خمرا ولا مسكرا بل اسكب نفسي أمام الرب. لا تحسب امتك ابنة بليعال لاني من كثرة كربتي وغيظي قد تكلمت إلى الان. فاجاب عالي و قال اذهبي بسلام واله إسرائيل يعطيك سؤلك الذي سالته من لدنه. فقالت لتجد جاريتك نعمة في عينيك ثم مضت المراة في طريقها واكلت ولم يكن وجهها بعد مغيرا.
كون أن عالى يظنها سكرى فهذا يدل على مدى انحطاط الحالة الروحية في أياّم أبناء عالى الكاهن فكان شيئًا عاديًا أن يُرى السكارى في بيت الرب. ولكن اتهام عالى للمرأة يعتبر سقطة لعالى الكاهن العظيم وتسرع في الحكم فالسكارى يصنعون ضجة عكس ما فعلته حنة التي كانت تصلى وهي صامتة بإيمان عميق ولكن صلاتها كانت أمام الرب صراخًا كما حدث مع موسى (خر 14: 15) ومع إسمعيل وهاجر (تك 21: 16،17) ولاحظ أن موسى لم يتكلم وأن إسمعيل لم يتكلم، لكن حيرتهما وصلاتهما الداخلية كانت صراخًا أمام الله. ومع هذا فإن كلام عالى لحنة بعد ذلك كان نبوة “إله إسرائيل يعطيك سؤالك” فهذه نبوة رئيس كهنة كما حدث مع قيافا (يو 11: 50، 51). إبنة بليعال = اسم عبري معناه عديم النفع أو شرير، ينعت به كل شرير لا يخاف الله (2كو 6: 15). ويبدو للأسف أنه نتيجة انحراف أبناء عالى الكاهن كان من الطبيعي أن يوجد بنات بليعال أي نسوة شريرات في الهيكل في هذه المناسبات. ولكن لاحظ إجابة حنة الوديعة وأنها لم تُعيّر رئيس الكهنة بإبنيه الأشرار ولا بأنه لم يستطع التمييز بين السكارى والمصلين الحقيقيين. وكان ردها الوديع هذا سبب بركة لها ودعوة رئيس الكهنة لها واستجاب الرب طلبتها. ولاحظ أيضًا إيمان المرأة إذ مضت.. ولم يكن وجهها مغيرًا بعد. لقد استراح قلبها بعد الصلاة لأنها تلاقت مع إلهها وشعرت في أعماقها بقوة الله القادرة أن تحل المشاكل.آية(23):-
فقال لها القانة رجلها اعملي ما يحسن في عينيك امكثي حتى تفطميه انما الرب يقيم كلامه فمكثت المراة وارضعت ابنها حتى فطمته.
الرب يقيم كلامهُ = لقد فهم ألقانة أن الله استجاب لصلوات زوجته كما حدث مع أمهات إسحق ويعقوب وشمشون وكانوا عظماء وهو فهم أن إبنه سيكون عظيمًا فهو يقول لامرأته لأن الرب استجاب لكِ وأعطاكِ الولد ليتمم الرب إحسانه ويجعله عظيمًا.آية(24):-
ثم حين فطمته اصعدته معها بثلاثة ثيران وايفة دقيق و زق خمر واتت به إلى الرب في شيلوه والصبي صغير.
سن الفطام في هذا الوقت كان بين 3-5 سنوات. ثلاث ثيران = قدم منها ثور محرقة لأن صموئيل قُدًّم كمحرقة للرب أي مكرسًا للرب كل أيام حياته والثوران الأخران أحدهما ذبيحة خطية والآخر ذبيحة سلامة. وكان يقدم مع المحرقات دقيق وخمر. أصعدته = لم يذكر الكتاب أن أبوه هو الذي أصعده بل أمه لتكريمها لأنها أوفت بنذرها فأن تقدم أم ابنها لله وإبنها الذي إنتظرته طويلًا فهذا شيء صعب بل يشبه تقدمة إبراهيم ابنه.آية(26):-
و قالت اسالك يا سيدي حيَّة هي نفسك يا سيدي أنا المراة التي وقفت لديك هنا تصلي إلى الرب.
حية هي نفسك = هذه تشبه أطال الله عُمرك.آية(28):-
و أنا أيضًا قد اعرته للرب جميع أيام حياته هو عارية للرب وسجد هناك للرب.
أنا سألته من الرب والرب أعطاه لي وها أنا أرد لهُ ما أعطاه لي ” من يدك أعطيناك” (1 أي 29: 14، 16). وكلمة عارية تترجم سؤل (2 مل 6: 5). فيكون المعنى أنا أعطيت الرب ما سألته منه. ولنلاحظ أن كل ما نعطيه للرب سبق وأخذناه منهُ. ولاحظ أن ما نعطيه للرب يباركه فقد أقام الله من صموئيل نبيًا عظيمًا (1صم 3: 20 + مز 99: 6 + أر 15: 1). الله كان يريد صموئيل خادمًا لهُ. ومن يعلم إن كان الله قد فتح رحم أمه لكانت أبقته بجانبها.
</B>