انتم أحبائي
15: 9- 17

لا أدعوكم عبيداً بعد الآن. بل أدعوكم أحبّائي لأني أخبرتكم بكل ما سمعته من أبي.
حين يتكلّم يسوع، فهو لا يريد أن يُظهر الأمور بشكل دراماتيكي. ومثل الكرمة لا يجب أن يضع فينا القلق: كيف نتجاوب مع هذا التنبيه بأن نبقى فيه؟ ولكننا نتعلم اليوم أننا لسنا عبيداً ولا تلامذة مدرسة (تلاميذي، آ 8)، بل أصدقاء. في نشيد الكرمة (أش 5: 1) يتوجّه النبي إلى صديق العريس، إلى نجيّه، إلى الشخص الذي وُجد هنا ليفرح مع العريس.
هذا هو دورنا: أن نتأمل في عظمة حبّ الله في يسوع. لقد أعطى حياته. سمّانا أصدقاء. إختارنا. قال لنا كل شيء. وهو يعطينا بأن نثمر. يشكّل هذا المقطع في شفافيّته اللاهوتية، أقسى الإنتقاد للعبودية بكل أشكالها. نحن هنا في قلب تعليم الإنجيل.
فالعبد لا يعرف ما يعمله سيده. هو لم يختره. بل إشتراه. العبد لا ينعم بثمر عمله. عمله لا يخصّه. بل نفسه لا تخصّه. أما مع يسوع “فنعطي ثمراً يبقى”. قال يسوع: الحقيقة تحرّرنا (8: 32). نحن نعرف الآن ما هي هذه الحقيقة، حقيقة صداقتنا مع الله. فارتباط الغصن بالكرمة هو أجمل الحرّيات. إنه يحرّرنا من أجل الخدمة. واكتفى الله بأن يتّخذ المبادرة.
إن قراءة ف 15 في يوحنا تبدّد المخاوف الأخيرة التي تدخل في بنية جامدة. قبل هذا، كنا أنقياء وتلاميذ، كنا تلاميذ أنقياء. أما الآن فنحن أصدقاء، أحبّاء. قبل هذا كنّا لا شيء بدونه. أما الآن فلا نجهل شيئاً عن ذلك الذي شراء فاختارنا.
نحن على أحسن ما يكون من العلاقات. لسنا أمام مساواة تامة، بل هي مساواة ذاك الذي يتقبّل نفسه من الآخر. وهذا لا نستطيع أن نتخيّله إلا إذا أخذ المسيح على عاتقه حالتنا كعبيد، وبذل حياته من أجل أصدقائه. من يستطيع أن يفعل أعظم من هذا؟
قال يسوع هذا الكلام ساعة كان ذاهباً إلى الموت. كان بوسعه أن يهرب أو يدور حول الصعوبة. ولكنه لم يفكّر إلا بشيء واحد: أن يكون تلاميذه أحراراً، أن يمكّنهم أن ينطلقوا (آ 16). لقد أرسلوا في مهمّة لتكبر حلقةُ الأصدقاء. نحن نجد هنا لفظة جديدة “عرّف” سنجدها في 17: 26. فبعد زمن الفاعلية يأتي زمن الشهادة. حين نشعر أننا محبوبون من قبل الله، نودّ أن نعرّف الناس بذلك. فالحب هو كشف ووحي.
شدّد يسوع وشدّد على الحب الأخوي. ليس فقط من أجل تماسك الجماعة، بل من أجل شفافيّة الحبّ. والجديد العظيم في هذا النص هو الصداقة. قد نظن أن الصداقة أدنى من المحبة. ومع ذلك حين لا تتوقّف الصداقة عند الشكليات، فمتطلّباتها كبيرة من أجل الحياة معاً. فالعلاقات البشرية تفترض تنظيم مسيرة المحبة التي تصل إلى الله. ومقابل هذا، أن يكون الله محبة، يُترجم في إبن جاء يشركنا في صداقته. وحين يسأل يسوع بطرس (21: 15) هل يحبّه، أجاب بطرس أنه يحبّه.
أراد أول الرسل أن يكون متواضعاً، وهذا لم يمنعه من أن يذهب إلى حيث لا يشاء…
الله محبّة. هل هذا صحيح؟ والآلام والبغضاء في العالم! كيف يقبل إله المحبة بكل هذا؟ ما زال اللاهوتيون الكبار يتلعثمون أمام مشكلة الشّر…
وتتفوّق على الفلاسفة أم تنحني على إبنها فتعرف أن الله محبة، لأنها اكتشفت واقع المحبة في العلاقات الأولى في حياة جاءت من الله. وأم تبكي على إبنها الذي يحيط به الخطر، تستطيع أن تتعرّف أيضاً إلى محبّة الله. ففي الإيمان تستطيع أن تعرف أن الله يقاسمها ضيقها وأنّه يحسّ معها بالحنان المجروح نفسه. الله هو أيضا رأى إبنه يموت وأية ميتة!
مرات عديدة لا نعرف ماذا نقول أمام ألم كبير يحسّ به صديق لنا. ولكننا نستطيع أن نبقى بقربه. نبقى صامتين فنكون قريبين بحبّنا وتعاطفنا. والله يسكت أيضاً أمام ضيقاتنا كما سكت أمام صليب ابنه.
ولكننا نؤمن، وخبرة المؤمنين تشهد بذلك، أنه قريب جداً، وهو مستعدّ أن يعرّف بنفسه، أن يعزّي، أن يشجّع، أن يعيد الإنسان إلى طريق الحبّ، أن يعلّمه التقبّل والمقاسمة.
إذا أردنا أن نعرف حبّ إلهنا، يجب علينا أولاً أن نقتدي بيسوع الذي شفى المرض وندّد بالرياء. ونحارب ضدّ الألم، ضدّ الظلم، ضدّ البغض، ضدّ الحرب. الحبّ الحقيقي ليس عاطفة عابرة، بل حضور وإصغاء ومقاسمة وعطاء وعمل وجهاد.
من يعلن أنه يحبّ الله ولا يحبّ أخاه، هو كاذب (1 يو 4: 20). ففي صدق محبّتنا المتطلّبة والأخوية أو البنوية أو الزوجية، نعرف أننا أبناء الله وحاملو الحضور السري والعجيب للحبّ الحيّ، لروح يسوع المسيح. حينئذٍ نعرف أن كلمة الرسول صادقة: “من أحبّ أخاه عرف الله”.
لسنا نحن الذين أحببنا الله، لسنا نحن الذين اخترناه. هو أحبّنا أولاً. هو دعانا وجعلنا أبناءه الأحبّاء. قال يوحنا: “نحن آمنا بالمحبّة”. طوبى للذين يؤمنون حتى النهاية ويحبّون إلى الغاية!
أيها الرب الإله، كم يصعب علينا أن نحبّ عندما يطلّ ألف سبب وسبب لكيلا نفتح بابنا. لهذا نصلّي من أجل المسجونين في رخائهم، نصلّي من أجل نفوسنا نحن الباحثين عن الراحة في الأنانية. كم يصعب علينا أن نحب حين نبقى متعلّقين بالمال. نصلّي يا رب من أجل الأغنياء “بالروح”. نصلّي من أجل ذواتنا نحن الذين لا نعرف أن نتجرّد. كم يصعب علينا أن نحبّ حين نحمل سلاحاً في أيدينا. حين لا نقاسم الآخرين خبزنا. نصلّي من أجل الذين يعتمدون على القوة، من أجل الذين لا يعرفون الجوع ولا الشقاء. أيقظنا يا رب وعلّمنا أن نرى الآخرين. علّمنا أن نحبّهم كما أحبّنا إبنك الحبيب

هل تبحث عن  الشهيد سنا الجندي

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي