صعود يسوع إلى السماء
24: 46- 53

وبينما هو يباركهم، إنفصل عنهم ورُفع إلى السماء.
أراد لوقا أن يعمل عمل المؤرخ. إنطلق من الواقع فنقل إلى قرّائه تعلمياً. وفي نظرته إلى التاريخ، قسم الزمن ثلاث حقبات. العهد القديم الذي يتمّ في شخص يوحنا المعمدان. زمن يسوع الذي يبدأ في المعمودية وينتهي في الصعود. زمن الكنيسة الذي ينطلق مع العنصرة.
نحن هنا أمام آخر خطبة ليسوع في الإنجيل. هي تلخّص التعليم الذي حملته الآلام والموت إلى التلاميذ: الآلام والقيامة تدل على أن الكتب قد تمّت. كان يسوع قد قال لتلميذَي عمّاوس اللذين عميت عيونهما عن معرفته: “أما كان يجب على المسيح أن يتألم هذه الآلام ليدخل في مجده”؟ وبدأ بموسى وجميع الأنبياء ففسرّ لهما في الكتاب كل ما يعنيه.
وهنا سيذهب إلى أبعد. أعاد قراءة الماضي، فقدّم برنامجاً لتلاميذه: إعلان التوبة باسمه على جميع الأمم. فيسوع الذي كرز بالله خلال حياته على الأرض، صار بقيامته ذاك المسيح الذي يكرز به الرسل. فالتوبة تتحقّق منذ الآن بواسطة شخصه الممجّد عبر الآلام والقيامة.
ويتّحد يسوع مع الآب فيرسل الروح لهذا الزمن الجديد الذي يبدأ الآن. وحضور الروح سيكون امتداداً لحضور يسوع. وقد شدّد لوقا على هذه البداية الجديدة فأورد كلام يسوع: “سأرسل إليكم ما وعد به أبي”.
في أعمال الرسل سيصبح الروح القدس الشخص الرئيسي (يرد ذكره خمسين مرة ونيف). إنه يقود الكنيسة بلا خطأ، ويقيم في قلوب المؤمنين، ويلهمهم في كلامهم وتصرّفاتهم.
حدّد لوقا انطلاقة يسوع إلى أبيه في يوم القيامة. فالتلاميذ ليسوا يتامى: تقوّوا ببركة يسوع، وعاشوا انتظار الروح فعادوا فرحين إلى أورشليم، وكانوا كل حين في الهيكل يسبّحون الله ويباركونه.
في أي مكان ارتفع يسوع واختفى عن أعين التلاميذ؟ أفي بيت عنيا (آ 50)؟ أفي جبل الزيتون، كما يقول سفر الأعمال (1: 12)؟ أفي جبل من جبال الجليل كما يقول متى (28: 20)؟ أين هي الحقيقة؟ سؤال ليس في محلّه.
كيف يستطيع هؤلاء الشهود المميّزون أن يعبرّوا كما في “تقرير صحافي” عن الواقع الأساسي في السر المسيحي؟ يسوع القائم من الموت قد ظهر لتلاميذه، ودلّ أنه حي. كلّمهم، أكل معهم. وفي الوقت عينه إختفى عن أعينهم (24: 31). وأعلن أيضاً: “أنا معكم كل، الأيام وحتى نهاية العالم” (مت 38: 20).
وهكذا عبرّ الوعّاظ المسيحيون الأولون، وهم شهود مميّزون جُمع تعليمهم في الأناجيل، عبرّوا في رموز مكانية وزمانية عن هذا الواقع الذي يتجاوز المكان والزمان. ففي نظر متى، إن جبل الجليل الواقع على حدود العالم الوثني، يُبرز الرسالة الشاملة التي سلّمها يسوع إلى كنيسته. أما لوقا فجعلنا نكتشف مدينة الله، أورشليم الجديدة، التي أنزلها يسوع بمجيئه الأول من السماء، والتي ستظهر في تحقيقها الأخير، في اليوم الخمسين، حين يتمّ وعد الآب والمعمودية في الروح القدس (أع 1: 1- 11).
لا نستطيع أن ندرك غنى سرّ خلاصنا في يسوع المسيح. حتى أقرب الشهود الذين أكلوا وشربوا مع القائم من الموت (أع 10: 41)، لم يستطيعوا أن يعبرّوا إلا عن بعض وجهات هذا السرّ. لهذا يكمّل الواحد الآخر في إعلان الشهادة الرسولية، والجماعات الرسولية تقرأ تارة هذه الشهادة وطوراً شهادة أخرى محاولة الدخول في عمل الله الخلاصي.
والإنجيل الذي نتأمل فيه اليوم يعلن نهاية صعود يسوع المتدرّج إلى أورشليم. لا شك في أنه يبقينا في ضواحي أورشليم، في بيت عنيا، لأن المدينة هي تحت الإحتلال: فأورشليم القديمة التي طردت المسيح وقتلته، ما زالت صامدة. غير أن حجاب الهيكل قد تمزّق؟ وهذا يعني أن الله قد تركه. ولكن بعد خمسين يوماً، سيدخل الروح القدس المدينة، وتظهر أورشليم الجديدة في أبهى جمالها. نحن هنا أمام المرحلة الأخيرة في الخلاص: قد أتمّ يسوع مهمته في جسده الارضي. والآن بدأت المهمة التي يتمّها بجسده الكنسي وينعشها بروحه.
وهذا يعنينا بشكل مباشر، لأننا جسد المسيح الكنسي.
تقبّل أيها الرب الإله فرحنا، لأن ابنك أنهى طريقه فتقبّله حبُّك. ففي بشرّيته دخلت بشريتنا إلى السماء. ولكن، يا أبا المراحم، لماذا انفصل الأخ عن إخوته، لماذا توارى عن عيوننا وآذاننا وأيدينا نحن الذين نريد أن نتمسّك يه؟ لقد أردت لنا خبرة الإنفصال والغياب، فيعرف يسوع أنه يستطيع أن يتّكل علينا، ونكتشفه نحن من بعيد في ملء اقامته. مبارك أنت يا رب من أجل الروح الذي يجعل هذا الغائب حاضراً، ويدفعنا إلى العمل فيه ومعه

هل تبحث عن  مثل القاضي الظَّالِم والأَرمَلَةٌ - حياة الصَّلاة الدائمة

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي