يشوع وضرب عاي

ضرب عاي…

لم يكن ضرب عاي بحيلة بشرية، إنما بخطة إلهية استخدم الله فيها خدامه وشعبه؛ وإن كان هو الذي دبّر وهو الذي وهب النصرة. ففي البداية أمر خادمه يشوع أن يقوم ويصعد إلى عاي [1]، معلنًا أن يعطيه النصرة [1]، مقدمًا له خطة الحرب ذاتها [2]… وكان الرب نفسه يتابع كل خطواته، إذ يقول: “فقال الرب ليشوع مدّ المزراق الذي بيدك نحو عاي لأنيّ بيدك أدفعها… فقام الكمين بسرعة من مكانه وركضوا عندما مدّ يده ودخلوا المدينة وأخذوها وأسرعوا وأحرقوا المدينة بالنار” [18-20]. كان الله هو العامل وسط شعبه لكنه ليس بدونهم! إنه يفرح ويسرّ بأن يعمل لحسابهم وبهم ومعهم أيضًا! إنه يُقدّر الإنسان ويرفع من شأنه، فيهبه الخلاص مجانًا كنعمة إلهية لكنه ليس متجاهلًا الجانب الإنساني والإرادة الإنسانية بل والعمل الإنساني!
كان الأمر الإلهي أن يمد يشوع يده بالمزراق أو السهم نحو عاي لكي يدفعها الرب في يده… هذا الأمر إنما يرمز لعمل التجسد الإلهي حيث تُشير “اليد” إلى أقنوم الابن، أما بسطها فيعني إعلانها… وكأن الابن أعلن ذاته خلال التجسد، مصوبًا صليبه كمزراق يهدم به حصون إبليس ويحرق مملكته بنار روحه القدوس!
يؤكد الكتاب المقدس: “ضربوهم حتى لم يبق منهم شارد ولا منفلت” [22].

ويعلق العلامة أوريجانوس على هذه العبارة، قائلًا: [يحوي هذا النص أسرارًا، فالمعنى الذي نستخلصه هنا هو أنه يجب ألا نبقي شيطانًا واحدًا حيًا بل نقتلهم جميعًا حتى النهاية… فالقديسون هم الذين يقتلون سكان عاي ويدمرونهم ولا يتركوا أحدًا منهم يفلت. نعم إن هذا يجعل قلبهم مدققًا، فلا يخرج منه فكر شرير (مر 7: 21)؛ ويلاحظون أفواههم فلا تخرج كلمة ردية منها (أف 4: 29). هيا بنا إذن لنحارب هكذا، ونضرب عاي بحد السيف، فنطرد القوات المعادية. يمكنني أيضًا أن أهز قلب الخاطئ وذلك بسيف فمي، حيث أضرب الزنا والرذيلة، وإن بقى أي شر أزيله بحد السيف، أي بكلمات فمي فلا يبقى منهم شارد أو منفلت. آه! في اليوم الذي فيه يزول كل الأعداء (أي الخطايا) يتمجد الله كما في عيد، وأمام فشل أعدائنا نبتهج بفرح جليل. هذا على ما أظن ما قصده النبي عندما قال في مزموره: “باكرًا أبيد كل أشرار الأرض لأقطع من مدينة الرب كل فاعلي الإثم” (مز 101: 8)، أي يقطع العدو الشيطان الذي يدفع البشرية لفعل الإثم. عندما نسمع “مدينة الله” نذكر نفس كل واحد منا بكوننا “حجارة حية” (1 بط 2: 5)، تبنى بفضائل من كل نوع… لعلك لا تثق بكلامي إذ أتحدث عن الحرب ضد الخطية، لكن ثق في القديس بولس القائل لنا: “لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية” (عب 12: 4). فإذ يعرض لك الحرب ضد الخطية حتى الدم ألا تعني أن تقودها حتى النهاية. هذا ما يؤكده الكتاب الإلهي إذ قيل: قدسوا الحرب… “حارب حروب الرب” (1 صم 18: 17). ماذا يعني تقديس الحرب إلاَّ أن نقتل كل أعداء نفوسنا أي الشهوات القاتلة. “أميتوا أعضاءكم التي على الأرض” (كو 3: 5)، أي لتنزع عنكم كل شهواتكم الشريرة!].

هل تبحث عن  قراءات اليوم الثلاثاء 25 يناير 2022 - 17 طوبة 1738

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي