اليوم لقائنا مختلف وحزيناً فقد رحلت عنا أمنا سارة..
*أولادى الأحباء أخيراً جاء اليوم الذى كان علىَ أن أرحل فيه عن العالم
الذى كنت قد تغربت فيه طويلاً وكان قبرى هو أول قبر يذكر فى الكتاب المقدس…
*وماتت سارة فأتى إبراهيم ليندب سارة ويبكى عليها [تك23: 2]…
*لقد كنت متغيباً عن البيت عندما لفظت سارة أنفاسها الأخيرة
ولكننى أتيت فى الحال لأندبها وأبكى عليها وهذه هى أول مرة يقرأ عنى أننى بكيت….
*لم نقرأ أنك بكيت يا أبانا إبراهيم عند نهر الفرات عندما تركت الأهل والأوطان…
*ولا نرى أثراً لذلك عندما وصلت إليك أخبار
سبى أخيك لوط…
*والكتاب لا يذكر أنك فعلت ذلك فى طريقك
إلى جبل المُريا لتقديم وحيدك الذى تحبه إسحق مُحرقة…
*أما وقد ماتت سارة فقد تفجرت ينابيع حزنك وسالت دموعك أنهاراً…
*ترى ما الذى أحدث هذا التغيير؟…
*نعم عندما نُدعى من الله لنتمم عملاً سواء كان رحلة شاقة أو حرباً أو تضحية ما فإننا نستطيع
أن نحبس دموعنا…
*ونتحمل كل شىء بصبر وربما كثرة مشاغلنا
تلهينا عن أحزاننا…
*ولكن عندما ينتهى كل شىء وعندما تأتى بنا
الأيام بجوار جثة هامدة لا تملك أيدينا أن تفعل
لها شيئاً حينئذ تنساب دموعنا….
*لعله ليس بمستغرب أن أبكى حبيبتى …
*لقد كانت سارة شريكة حياتى وحب عمرى
ورفيفة دربى …
*كانت هى الوحيدة الباقية ممن تحمّلوا معى
مشاق رحلتى الخطيرة هذه السنين الطوال….
*وإذ جثوت بجوارها إنهالت علىَ ذكريات الماضى…
*فقد عاشت سارة 127 عامًا كلها أعوام مثمرة
فى الرب بدت فى سنواتها التسعين الأولى عقيمة
من جهة الإنجاب لكن بالإيمان ظهرت أمًا للمؤمنين [إش 51: 2]…
*تشاركنى أنا [أب المؤمنين] كل أيام جهادى
تحمل معى المشقات وتتقبل معى الوعود الإلهية…
*كما سلكت بروح الطاعة حتى طلب الرسول
بطرس من المؤمنات أن يتمثلن بها…
《كما كانت سارة تطيع إبراهيم داعية إياه سيدها
التى صرتنَّ أولادها صانعات خيرًا وغير خائفات خوفًا البتة》 [1 بط 3: 6]
*نعم يا أولادى تذكرتها كعروس فى بدء حياتنا الزوجية…
*تذكرت طاعتها وخضوعها فى كل حياتها داعية إياى سيدى …
*مرَّ فى مخيلتى شريط أحداث متتابعة ومواقف كثيرة لها..
* ضيافتها وكرمها وقارها وزينة الروح الوديع
الهادئ الكثير الثمن…
*حسن تدبيرها ووقوفها معى فى كل مسيرة
الحياة كل هذا كان لا بد أن يقودنى للبكاء….
*لقد رفعنى إيمانى فوق الأحداث فبالإيمان
حاربت الملوك لأنقذ إبن أخى لوط…
*وبالإيمان أخذت ابنى إسحق إلى أرض المريا لأذبحه…
*لكن هذا الإيمان لا يتعارض مع المشاعر الإنسانية الرقيقة
التى فجرت ينابيع دموعى أمام جثمان حبيبتى…
*نعم أصدقائى فالإيمان لايجردنا من الإحساس
بل يقدسها وينميها فى الرب..
*هذا ما نراه فى أبينا إبراهيم رجل الإيمان…
*وما نلمسه فى التلاميذ والرسل …
*بل وفى السيد المسيح نفسه الذى لم يحتمل
دموع مريم ومرثا على أخيهما لعازر فبكى
[يو 11: 35]…
*حتى قال اليهود انظروا كيف كان يحبه؟
[يو 11: 36]…
*وقد جاءت رسائل معلمنا بولس الرسول مشحونة بالمشاعر الإنسانية المقدسة…
*فنراه يذكر دومًا منظر تلميذه تيموثاوس وهو
يبكى عند فراق الرسول أو عند سجنه
[2 تى 1: 3، 4]…
*ومع أننا كنا نعيش حياة صحراوية فى خيمة
إلا أننا أردنا مكاناً أكثر إستقراراً من رمال الصحراء المتحركة ليكون مستقراً ًلمحبوبتى سارة…
*لذلك إشتريت مغارة المكفيلة من عفرون الحثى لتكون قبراً لزوجتى …
*فلم أفكر فى دفن زوجتى بجوار أسلافى فإن
كان بالإيمان قد خرجت مع سارة من أور الكلدانيين بقيت سالكًا بالإيمان حتى النفس الأخير ودفنت
فيها أنا أيضا…
*كما دفن فيها إسحق ورفقة ويعقوب وليئة…
*وهكذا فى الموت رمزياً لم يفترقا كما كانا خلال حياتهما أيضاً…
*حقا فإن الدموع تهوّن على النفس أحزانها الثقيلة..
*وهى تخفف ضغط الأحزان عن القلب…
*هى لآلئ وليدة الجروح والآلام كما تتحول
الجروح فى المحارات إلى لآلئ….
*نعم يا أصدقاء نحن لا نستطيع أن نعرف تماماً
لماذا يبكى البشر إذا وقفنا معهم بجانب القبر….
*ففى معظم الأحيان يكون باعث الحزن خالص المحبة…
*ولكن فى بعض الأحيان تكون الدموع ممتزجة بمرارة بسبب ما يملأ نفوسهم بالندم والأسف
بسبب معاملة قاسية أو كلمات صعبة أو بسبب تقصير فى خدمة أو مشاركة فى أعواز…
*ليحفظنا الرب فى روح المحبة لكى لا نشرب
مثل هذه الكأس المُرَّة كأس أحزان الحرمان…