أستير المسبية

أستير المسبية:

إذ خُلعت وَشْتِي عن المُلك حوّل الله هذا الأمر لخلاص شعبه باقامة أستير المولودة في أرض السبي والتي قام ابن عمها مردخاي بتربيتها- ملكة عوضًا عن وَشْتِي.
تحدث الكتاب عن مردخاي الذي كان يعمل في شوشن القصر، وهو يهودي سُبي من أورشليم في أيام يكنيا ملك يهوذا بواسطة نبوخذ نصر ملك بابل. والأمر الذي يلفت أنظارنا أن البطل الخفي في قصة أستير هو “مردخاي” الذي إتسم بالأمانة في تربيته لأستير وأرشاداته لها، وأمانته في عمله لدى الملك الغريب الجنس منفذًا حياته من مؤامرة شريرة، كما إمتاز بالتصرف الروحي العميق المملوء إيمانًا وثقة في عمل الله.
قلنا أن وَشْتِي تُشير إلى حرفية الناموس التي يجب أن تنزع من القلب لكي تملك نعمة العهد الجديد فتظهر أستير (كنيسة العهد الجديد) ملكة، أما ملامح وظروف أستير فجاءت مطابقة لكنيسة العهد الجديد من جوانب متعددة، نذكر منها:
أولًا: وُلدت أستير في أرض السبي، حُرمت من أرض الموعد والهيكل بكل طقوسه الجميلة، وكأنها تمثل جماعة الأمم الذين سقطوا تحت سبي إبليس، حرموا من بركات الله الروحية والتمتع بهيلكه… لكن الله أقامهم من هذا السبي وجعلهم ملوكًا روحيين، إذ جاء السيد المسيح لتحريرهم، كما يقول بإشعياء: “أرسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالاطلاق” (إش 61: 1).
يقول القديس أغسطينوس: [نزعت سبينا، لا بتحريرنا من أيدي البرابرة… وإنما من أعمالنا الشريرة ومن خطايانا التي بها سيطر إبليس علينا، فمن يتحرر من خطاياه لا يعود رئيس الخطاة (إبليس) يسيطر عليه]،

كما يقول: [لتعترف أنك مسبي فتستحق أن تتحرر، فمن لا يعرف عدوه كيف يحث محرره؟].
ثانيًا: “لم يكن لها أب ولا أم” [7]، آي يتيمة الوالدين. هذه هي سمة الكنيسة حين حققت دعوة الله لإبراهيم: “اذهب… من بيت أبيك” (تك 12: 1). لنترك أبانا القديم، إبليس، وأمنا الأولى أي محبة العالم، ليكون الرب نفسه أبانا السماوي والكنيسة السماوية أمنا. لقد سأل الرب اليهود أن يتيتموا من أبيهم الشرير حين قال لهم: “أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا” (يو 8: 44).
ويتحدث القديس أغسطينوس عن ترك الأمم لأبيهم القديم، قائلًا: [جاء الأمم من عند أبيهم الشيطان وجحدوا بنوتهم له].
ثالثًا: “كانت الفتاة جميلة الصورة وحسنة المنظر” [7]… يرى العريس السماوي في عروسه الملكة جمالًا سكبه هو عليها، إذ يقول لها: “وخرج لكِ اسم في الأمم لجمالكِ، لأنه كان كاملًا ببهائي الذي جعلته عليكِ يقول السيد الرب” (حز 16: 14).
إن كان ماضينا مشين بسواد الخطية لكننا في اعتزاز نقول” “أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم” (نش 1: 5).

وكما يقول القديس أمبروسيوس: [إذ لبست تلك الثياب خلال جرن المعمودية تقول في نشيد الأناشيد “أنا سوداء وجميلة (كاملة) يا بنات أورشليم”. إنيّ سوداء خلال الضعف البشري، كاملة خلال سرّ الإيمان ].
رابعًا: “نقلها (هيجاي) مع فتياتها إلى أحسن مكان في بيت النساء، ولم تخبر أستير عن شعبها وجنسها” [9-10].
كان هيجان حارسًا لبيت العذارى، وشعشغار حارسًا للسراري [14]، أما أستير فدخلت بيت العذارى، ووُضعت في أفضل موضع فيه، إذ أدرك أنها ستجد نعمة في عيني الملك وتُقام ملكة. ما هو هذا الموضع إلاَّ “البنوة لله” التي صارت لنا كعطية الروح القدس لنا في المسيح يسوع الابن وحيد الجنس. ففيه ارتفعنا إلى حضن أبيه لنوجد معه كأبناء له.
لم تخبر أستير عن شعبها وجنسها كمشورة مردخاي، فالنفس إذ تنعم بالبنوة لله وتصير ملكة تحيا على مستوى سماوي، ويصير لها جنس فائق لا تستطيع اللغة أن تعبر عنه. إنها تعيش في صمت، لا صمت العجز القائم على إنغلاق القلب، وإنما صمت الحب المنفتح على السماء يتأمل أعمال الله بفرح مجيد لا ينطق به.
خامسًا: اتضاعها. فقد إتسمت أستير بروح الطاعة والخضوع لمربيها مردخاي حتى بعد أن جلست كملكة على أعظم عرش في ذلك الحين، إذ قيل: “وكانت أستير تعمل حسب قول مردخاي كما كانت في تربيتها عنده” .

هل تبحث عن  التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة 306 م 439 م الكتاب الثاني- ترجمة ايه سي زينوس تعريب د.بولا ساويرس

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي