الأَصْحَاحُ
الثَّالِثُ

محبة الله الفائقة فى خلاص الأمم

 

(1)
خلاص الأمم على يد بولس (ع 1-9):

1بِسَبَبِ
هَذَا أَنَا بُولُسُ، أَسِيرُ الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَجْلِكُمْ أَيُّهَا الأُمَمُ،
2إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِتَدْبِيرِ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِى لأَجْلِكُمْ،
3أَنَّهُ بِإِعْلاَنٍ عَرَّفَنِى بِالسِّرِّ، كَمَا سَبَقْتُ فَكَتَبْتُ
بِالإِيجَازِ. 4الَّذِى بِحَسَبِهِ، حِينَمَا تَقْرَأُونَهُ، تَقْدِرُونَ أَنْ
تَفْهَمُوا دِرَايَتِى بِسِرِّ الْمَسِيحِ. 5الَّذِى، فِى أَجْيَالٍ أُخَرَ، لَمْ
يُعَرَّفْ بِهِ بَنُو الْبَشَرِ، كَمَا قَدْ أُعْلِنَ الآنَ لِرُسُلِهِ
الْقِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَائِهِ بِالرُّوحِ: 6أَنَّ الأُمَمَ شُرَكَاءُ فِى
الْمِيرَاثِ وَالْجَسَدِ وَنَوَالِ مَوْعِدِهِ فِى الْمَسِيحِ بِالإِنْجِيلِ.
7الَّذِى صِرْتُ أَنَا خَادِمًا لَهُ، حَسَبَ مَوْهِبَةِ نِعْمَةِ اللهِ
الْمُعْطَاةِ لِى حَسَبَ فِعْلِ قُوَّتِهِ. 8لِى أَنَا أَصْغَرَ جَمِيعِ
الْقِدِّيسِينَ أُعْطِيَتْ هَذِهِ النِّعْمَةُ، أَنْ أُبَشِّرَ بَيْنَ الأُمَمِ
بِغِنَى الْمَسِيحِ الَّذِى لاَ يُسْتَقْصَى، 9وَأُنِيرَ الْجَمِيعَ فِى مَا هُوَ
شَرِكَةُ السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ فِى اللهِ خَالِقِ الْجَمِيعِ
بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ.

 

ع1: بسبب انفتاح باب الإيمان أمام الأمم وقيام بولس الرسول بتوصيل
هذه الدعوة لهم، صار أسيرًا ومسجونًا بروما لأجل المسيح ولأجل تبشيرهم.

 

ع2: أعلن الله لبولس مشيئته بتدبيره الإلهى مرتين : الأولى عندما
ظهر له المسيح بنور شديد وهو فى طريق دمشق (أع9: 4-6)، والثانية حينما ظهر له فى
الهيكل وهو يصلى قائلاً له "إذهب فإنى أرسلك إلى الأمم بعيدًا" (أع22:
6-21). وفى هذا التدبير نرى خطة الله الحكيمة لدعوة الأمم للخلاص.

 

ع3: السر
: خلاص الأمم مثل خلاص اليهود.

يشير هنا إلى الإعلانات السابقة التى أهلته أن يكون رسولاً
وعرفته بما لا يمكن معرفته إلا بالوحى وهو أن ينادى بالإنجيل بين الأمم، كما سبق
وكتب أن الدعوة موجهة إلى كل من اليهود والأمم، وأن الفريقين أصبحا أعضاء كنيسة
واحدة مترابطة بالإيمان والمحبة.

 

ع4: بحسبه
: ما كتبه بولس قبلاً بإيجاز عن المسيح المخلص للأمم.

عندما تقرأوا ما سبق فى هذه الرسالة تقدروا أن تفهموا درايتى
العميقة بسر المسيح بسبب الإعلان الإلهى، وتكونوا قد حصلتم على فهم واستنارة
لإدراك هذا السر وهو قبول الأمم فى الإيمان.

 

ع5: فى الأجيال التى قبل مجئ المسيح لم يعرف بنو البشر بهذا السر
الذى أُعِلنَ لبولس ولبقية الرسل والأنبياء فى العهد الجديد بعد حلول الروح القدس،
رغم وجود بعض التلميحات فى العهد القديم مثل "تهللوا أيها الأمم شعبه"
(تث 32: 43)، "عليه سيكون رجاء الأمم" (رو15: 12، إش 11: 10).

 

ع6: هنا يبين بولس الرسول أن سر المسيح هو أن الأمم يشاركون
اليهود فى بركات ملكوت المسيح، وأن متنصرى الأمم يتساوون مع متنصرى اليهود فى حقوق
الميراث الروحى وفى كونهم أعضاء الجسد الذى رأسه المسيح، وأن الوعد بالفداء الذى
أعطى لآدم وحواء وكرر لإبراهيم وأنبياء العهد القديم، للأمم نصيب فيه مثل اليهود
تماماً، وذلك فى المسيح أى بالاتحاد بالمسيح الذى هو الشرط الوحيد لمشاركة الأمم
لليهود فى بركات الفداء، والإنجيل هو وسيلة اتحادهم بالمسيح.

?       إن محبة الله وأحضانه مفتوحة لجميع الناس ليخلص كل من يؤمن به ويحيا فى
كنيسته. فليكن قلبك مفتوحاً بالحب لكل أحد مهما كان بعيداً أو رافضاً لله، صلِ
لأجله وقدم محبتك له، فالله قادر أن يغيره ولو بعد حين.

 

ع7: له
: الإنجيل أى التبشير للأمم.

خدمة الإنجيل هى العمل الذى عينه الله له، وهذا التكليف فى
تقدير بولس الرسول هو هبة عظيمة وبركة كبيرة منحها له الله. وهى بذلك ليست فضلاً
منه أو لأجل كفاءة شخصية فيه بل الموهبة الإلهية أعطته قوة جبارة للكرازة
بالإنجيل.

 

ع8: هنا يتضع بولس الرسول فيقول أنه لم يكن مستحقاً أن يكون
رسولاً وأنه أصغر جميع المؤمنين فى الكنيسة الأولى، ورغم ذلك أُعطِيَت له هذه
النعمة العظيمة أن يكرز بين الأمم بغنى المسيح أى بحكمته وقداسته وتحقيقه الخلاص
لبنى الإنسان، هذا الغنى الذى لا يقدر العقل البشرى أن يتصور عظمته أو يدرك تمام
الإدراك حقيقته، لأن اليهود لم يتصوروا أن هناك خلاصًا للأمم البعيدين عن الله.

 

ع9: شركة
السر المكتوم
: أى اشتراك الأمم مع اليهود فى الخلاص، وهذا السر كان
مكتوماً فى قلب الله وأشار إليه الأنبياء، ثم أُعِلنَ بالمسيح الفادى. وفى النص
اليونانى للإنجيل "تدبير السر المكتوم" بدلاً من شركة، ويعنى خطة الله
بخلاص الأمم مع اليهود.

وهب لبولس رسول الأمم أن ينير بنعمة الله أذهان كل بنى البشر
ويعلمهم أن خلاص المسيح يشترك فيه الأمم مع اليهود.وكان هذا فى قلب الله منذ الأزل
وأعلنه واضحًا فى العهد الجديد بتجسد ابنه الوحيد وفدائه للبشر.

 

(2)
الملائكة تعرف تدبير الله (ع 10-12):

10لِكَىْ يُعَرَّفَ الآنَ
عِنْدَ الرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فِى السَّمَاوِيَّاتِ، بِوَاسِطَةِ
الْكَنِيسَةِ، بِحِكْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ، 11حَسَبَ قَصْدِ الدُّهُورِ
الَّذِى صَنَعَهُ فِى الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. 12الَّذِى بِهِ لَنَا
جَرَاءَةٌ وَقُدُومٌ بِإِيمَانِهِ عَنْ ثِقَةٍ.

 

ع10،
11:
الرؤساء والسلاطين :
بعض رتب الملائكة.

حكمة
الله المتنوعة
: أى التى تدبر خلاص اليهود عن طريق تمسكهم بالناموس والوصايا
التى تتكلم عن المسيا، وخلاص الأمم بالتوبة عن خطاياهم والإيمان بالمسيح.

قصد الله من تبشير الأمم بسر الفداء هو إنارة كل الناس فى أمر
ذلك السر، ليس البشر فقط بل ملائكة السموات أيضاً ذوى السلطان والشأن العظيم عندما
يرون هذا السر يتحقق فى الكنيسة الواحدة، إذ يرون الأمم وقد أصبحوا أعضاء فى جسد
المسيح. وبهذا أظهر الله حكمته بتجسد المسيح وإرشاد الناس إلى الإيمان حسب خطة
الله الأزلية التى تحققت بتجسد ابنه وموته وقيامته.

 

ع12: بالمسيح يسوع أصبح لنا دالة للإقتراب إلى الله واثقين بيقين
فى قبوله لنا كأبناء له بالتبنى وذلك عن طريق إيماننا بالمسيح واتحادنا به.

?       هل يليق أن تفرح الملائكة بخلاصنا ولا نفرح نحن ؟… تستطيع أن تتمتع بهذا
الفرح عندما تشكر الله كل يوم على خلاصه وعطاياه لك، ثم تسعى لأعمال الخير والرحمة
مبتعدًا عن مصادر الشر.

 

(3)
صلاة الرسول لتثبيت إيمانهم (ع 13-17):

13لِذَلِكَ، أَطْلُبُ
أَنْ لاَ تَكِلُّوا فِى شَدَائِدِى لأَجْلِكُمُ، الَّتِى هِىَ مَجْدُكُمْ.
14بِسَبَبِ هَذَا، أَحْنِى رُكْبَتَىَّ لَدَى أَبِى رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،
15الَّذِى مِنْهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشِيرَةٍ فِى السَّمَاوَاتِ وَعَلَى الأَرْضِ.
16لِكَىْ يُعْطِيَكُمْ، بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ، أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِالْقُوَّةِ
بِرُوحِهِ فِى الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ. 17لِيحُلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِى
قُلُوبِكُمْ.

 

ع13: يتكلم بولس الرسول من داخل سجنه فى روما ويقول لأهل أفسس، لا
ينبغى أن تضعفوا بسبب الآلام والضيقات التى أتعرض لها الآن من سجن أو ضربات أو
إهانات، بل يجب أن نفرح بالآلام لأجل الكرازة، فهذه الآلام أصبحت مجدًا للإنسان
بعد أن كانت عارًا وخزيًا.

 

ع14،
15:
حتى لا يضعف أهل أفسس، يعلن
بولس الرسول أنه يصلى لأجلهم بكل اتضاع وحرارة فى الطلب، بسجود وانسحاق أمام الله
الذى هو أصل كل حياة لجميع الكائنات بمختلف فصائلها سواء كانت هذه الكائنات من
الملائكة بمختلف رتبهم، أو من عشائر البشر فى كل مكان على وجه الأرض بمختلف
أجناسهم.

 

ع16: تتأيدوا
بالقوة
: يساندكم الروح القدس ويثبتكم.

الإنسان
الباطن
: الروح الإنسانية.

الطلبة الأساسية فى صلاة بولس هى أن يمجدهم الله ويميزهم عن
باقى البشر بعطائه السخى فى عمل روحه القدوس داخلهم.

 

ع17: ليسكن المسيح بصفة دائمة فى القلب، وحيث يسكن المسيح بروحه
تنشأ الحياة الروحية والمعرفة الإلهية. وبالإيمان نتحقق من وجوده ونقبله ونثق
بمواعيده ونتمسك به للخلاص.

?       اهتم أن تصلى لأجل كل من حولك خاصة عندما ينزعجون أو يتعثرون، وواصل
صلواتك ودموعك وسجودك بل أصوامك لأجلهم حتى يرفع الله عنهم حروب إبليس وينتصروا
ويفرحوا.

 

(4)
محبة المسيح وقدرته (ع 18-21):

18وَأَنْتُمْ
مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِى الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ
تُدْرِكُوا، مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ
وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، 19وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ
الْمَعْرِفَةِ، لِكَىْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ. 20وَالْقَادِرُ
أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَىْءٍ أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ
نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِى تَعْمَلُ فِينَا، 21لَهُ الْمَجْدُ فِى
الْكَنِيسَةِ فِى الْمَسِيحِ يَسُوعَ إِلَى جَمِيعِ أَجْيَالِ دَهْرِ الدُّهُورِ،
آمِينَ.

 

ع18: العرض
: اتساع المحبة لتشمل كل الأمم على وجه الأرض.

الطول
: البشر جميعاً فى كل العصور وحتى نهاية العالم.

العمق
: انتشال المحبة للناس من أعماق الشر والفساد لتهبهم خلاص
المسيح.

العلو
: رفع الناس إلى السماء ليتمتعوا بالمجد الأبدى.

بمساندة الروح القدس وسكنى المسيح فيكم تثبتون فى محبة الله
مع باقى المؤمنين وتدركون أبعاد هذه المحبة.

 

ع19: الفائقة
المعرفة
: تفوق إدراك العقل البشرى.

ملء
الله
: كمال الله.

محبة المسيح لنا فائقة المعرفة، لا نستطيع كبشر إدراكها تمام
الإدراك، ولكن يلزم المؤمنين أن يتقدموا شيئاً فشيئاً فى إدراك محبة المسيح على
قدر ما يستطيعون.

 

ع20: القوة
التى تعمل فينا
: قوة الروح القدس.

الرب قد فعل أكثر مما نطلب أو نتوقع؛ فجود الله لا ينحصر فى محدودية
طلباتنا أو تصوراتنا لما نحتاج إليه. فلا حد لوفرة البركات التى تُمنح لمن يسكن
المسيح فى قلوبهم بروحه القدوس.

 

ع21: يتمجد الله فى الكنيسة عروسه التى يتجلى فيها ذلك المجد
وبدورها تُمَجَّد بواسطة المسيح رأسها فى جميع الأزمنة وفى الأبدية آمين، أى ليتم
ما سأله ويدعو كل قراء الرسالة أن يوافقوه على ذلك.

?       لنا حساب مفتوح لدى الله لنأخذ بركات كثيرة يجب أن نطلبها ونعمل لأجلها
بكل إيمان وصبر، فنتعمق كل يوم وندرك محبته من خلال الصلاة والشكر وكذلك محبة
الآخرين والسعى لخلاصهم.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي